حق السائل والمحروم: هو النصيب الذي يعطُونه إياهما ،أطلق عليه لفظ الحق ،إمّا لأن الله أوجب على المسلمين الصدقة بما تيسَّر قبل أن يفرض عليهم الزكاة فإن الزكاة فرضت بعد الهجرة فصارت الصدقة حقا للسائل والمحروم ،أو لأنهم ألزموا ذلك أنفسهم حتى صار كالحق للسائل والمحروم .وبذلك يتأوَّل قول من قال: إن هذا الحق هو الزكاة .
والسائل: الفقير المظهر فقره فهو يسأل الناس ،والمحروم: الفقير الذي لا يُعطَى الصدقة لظن الناس أنه غير محتاج من تعففه عن إظهار الفقر ،وهو الصنف الذي قال الله تعالى في شأنهم{ يحسبهم الجاهلُ أغنياء من التعفّف}[ البقرة: 273] وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي ولا يسأل الناس إلحافاً» .وإطلاق اسم المحروم ليس حقيقة لأنه لم يَسأل الناس ويحرموه ولكن لما كان مآل أمره إلى ما يؤول إليه أمر المحروم أطلق عليه لفظ المحروم تشبيهاً به في أنه لا تصل إليه ممكنات الرزق بعد قربها منه فكأنه ناله حرمان .
والمقصود من هذه الاستعارة ترقيق النفوس عليه وحثّ الناس على البحث عنه ليضعوا صدقاتهم في موضع يحب الله وضعها فيه ونظيرها في سورة المعارج .قال ابن عطية: واختلف الناس في{ المحروم} اختلافاً هو عندي تخليط من المتأخرين إذ المعنى واحد عبر علماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالاً .قلت ذكر القرطبي أحد عشر قولاً كلها أمثلة لمعنى الحرمان ،وهي متفاوتة في القرب من سياق الآية فما صلح منها لأن يكون مثالاً للغرض قُبل وما لم يصلح فهو مردود ،مثل تفسير من فسر المحروم بالكلب .وفي « تفسير ابن عطية » عن الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم .وزاد القرطبي في رواية عن الشعبي قال: لي اليوم سبعون سنة منذ احتملت أسأل عن المحروم فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذٍ .