وقوله:( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ):لما وصفهم بالصلاة ثنى بوصفهم بالزكاة والبر والصلة ، فقال:( وفي أموالهم حق ) أي:جزء مقسوم قد أفرزوه ( للسائل والمحروم ) ، أما السائل فمعروف ، وهو الذي يبتدئ بالسؤال ، وله حق ، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا:حدثنا سفيان ، عن مصعب بن محمد ، عن يعلى بن أبي يحيى ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها الحسين بن علي قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"للسائل حق وإن جاء على فرس ".
ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري ، به ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب . وروي من حديث الهرماس بن زياد مرفوعا .
وأما ) المحروم ) ، فقال ابن عباس ، ومجاهد:هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم . يعني:لا سهم له في بيت المال ، ولا كسب له ، ولا حرفة يتقوت منها .
وقالت أم المؤمنين عائشة:هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه . وقال الضحاك:هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب ، قضى الله له ذلك .
وقال أبو قلابة:جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ، فقال رجل من الصحابة:هذا المحروم .
وقال ابن عباس أيضا ، وسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، ونافع - مولى ابن عمر - وعطاء بن أبي رباح ) المحروم ):المحارف .
وقال قتادة ، والزهري:( المحروم ):الذي لا يسأل الناس شيئا ، قال الزهري وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ".
وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر .
وقال سعيد بن جبير:هو الذي يجيء وقد قسم المغنم ، فيرضخ له .
وقال محمد بن إسحاق:حدثني بعض أصحابنا قال:كنا مع عمر بن عبد العزيز في طريق مكة فجاء كلب فانتزع عمر كتف شاة فرمى بها إليه ، وقال:يقولون:إنه المحروم .
وقال الشعبي:أعياني أن أعلم ما المحروم .
واختار ابن جرير أن المحروم:[ هو] الذي لا مال له بأي سبب كان ، قد ذهب ماله ، سواء كان لا يقدر على الكسب ، أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها .
وقال الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية فغنموا ، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة فنزلت هذه الآية:( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) .
وهذا يقتضي أن هذه مدنية ، وليس كذلك ، بل هي مكية شاملة لما بعدها .