هذا قَسَم أيضاً لتحقيق اضطراب أقوالهم في الطعن في الدين وهو كالتذييل للذي قبله ،لأن ما قبله خاص بإثبات الجزاء .وهذا يعم إبطال أقوالهم الضالّة فالقسم لتأكيد المقسم عليه لأنهم غير شاعرين بحالهم المقسممِ على وقوعه ،ومُتَهالكون على الاستزادة منه ،فهم منكرون لما في أقوالهم من اختلاف واضطراب جاهلون به جهلاً مركَّبا والجهل المركب إنكار للعلم الصحيح .والقول في القسم ب{ السماء} كالقول في القسم ب{ الذاريات}[ الذاريات: 1] .
ومناسبة هذا القسم للمقسم عليه في وصف السماء بأنها ذات حُبُك ،أي طرائق لأن المقسم عليه: إن قولهم مختلف طرائق قِدداً ولذلك وصف المقسم به ليكون إيماء إلى نوع جواب القسم .
والحُبك: بضمتين جمع حِباك ككِتاب وكُتب ومِثال ومُثُل ،أو جمع حبيكة مثل طَريقة وطُرق ،وهي مشتقة من الحَبْك بفتح فسكون وهو إجادة النسج وإتقانُ الصنع .فيجوز أن يكون المراد بحُبك السماء نُجوْمُها لأنها تشبه الطرائق الموشاة في الثوب المحبوك المتقن .وروي عن الحسن وسعيد بن جبير وقيل الحبك: طرائق المجرّة التي تبدو ليلاً في قبة الجو .
وقيل: طرائق السحاب .وفسر الحبك بإتقان الخلق .روي عن ابن عباس وعكرمة وقتادة .وهذا يقتضي أنهم جعلوا الحبك مصدراً أو اسم مصدر ،ولعله من النادر .وإجراء هذا الوصف على السماء إدماج أدمج به الاستدلال على قدرة الله تعالى مع الامتنان بحسن المرأى .
واعلم أن رواية رويت عن الحسن البصري أنه قرأ{ الحِبُك} بكسر الحاء وضم الباء وهي غير جارية على لغة من لغات العرب .وجعل بعض أيمة اللغة الحِبُك شاذاً فالظن أن راويها أخطأ لأن وزن فِعُل بكسر الفاء وضم العين وزن مهمل في لغة العرب كلّهم لشدة ثقل الانتقال من الكسر إلى الضم مما سلمت منه اللغة العربية .ووجهت هذه القراءة بأنها من تداخل اللغات وهو توجيه ضعيف لأن إعمال تداخل اللغتين إنما يقبل إذا لم يفض إلى زنة مهجورة لأنها إذا هجرت بالأصالة فهجرها في التداخل أجدر ووجهها أبو حيان باتباع حركة الحاء لحركة تاء{ ذاتِ} وهو أضعف من توجيه تداخل اللغتين فلا جدوى في التكلف .