التّفسير
والسّماء ذات الحُبك:
تبدأ هذه الآيات كالآيات المتقدّمة بالقسم وتتحدّث عن اختلاف الكفّار وجدلهم حول يوم الجزاء والقيامة ومسائل أخر متعدّدة من بينها شخصية النّبي ( محمّد ) ومسألة التوحيد .
فتقول الآيات في البداية: قسماً بالسماء ذات الخطوط والتعرّجات الجميلة: ( والسماء ذات الحبك ) .
وفي اللغة معان كثيرة لكلمة «الحبك » على زنة «كتب » وهي جمع «حباك » على وزنكتاب.
من ضمن هذه المعاني الطرق والتعاريج التي تبدو على الرمل نتيجة للرياح أو التي تبدو على صفحة الماء أو على السُحب في السماء !
كما تطلق الحبُك على الشعر المجعّد .
وقد تُفسّر الحبك بالزينة والجمال !
كذلك تأتي بمعنى الشكل الموزون والرتيب .
والجذر الأصلي لها «حبْك » ومعناه هو الشدّ والإحكام{[4691]} !
ويبدو أنّ جميع هذه المعاني تعود إلى معنى واحد وهي التجاعيد والتعاريج الجميلة التي تظهر على صفحات الرمل في الصحراء أو صفحات الماء أو التجاعيد في الشعر أو السُحب في السماء .
وأمّا تطبيق هذا المعنى على السماء ووصفها بها ( والسماء ذات الحبك ) هو إمّا لنجومها ذات المجاميع المختلفة وصورها الفلكية «تطلق على مجموعات النجوم الثابتة التي لها شكل خاصّ بالصورة الفلكية » !
وإمّا للأمواج الجميلة التي ترتسم في السحب وقد تكون جميلة إلى درجة بحيث تحدق العين فيها لفترة طويلة !
أو لمجرّاتها العظيمة التي تبدو وكأنّها تجاعيد الشعر على صفحة السماء ،وخاصّة صورها التي التقطت «بالتلسكوب » إذ تشبه هذه الصور التجاعيد في الشعر تماماً .
فعلى هذا يكون معنى ( والسماء ذات الحبك ) أنّ القرآن يقسم بالسماء ومجراتها العظيمة التي لم تكتشفها يومئذ العيون الحادّة ببصرها ولا علم الإنسان يومئذ أيضاً .
ومع ملاحظة أنّ الجمع بين المعاني المتقدّمة ممكن ولا منافاة فيه فيحتمل أن تكون هذه المعاني كلّها مجتمعة في القسم ،ونقرأ في الآية ( 17 ) من سورة
«المؤمنون » أيضاً قوله تعالى: ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ){[4692]} .
كما يجدر الالتفات إلى أنّ الجذر الأصلي للحبك يمكن أن يكون إشارة إلى استحكام السماء وارتباط الكرات بعضها ببعض كالكواكب السيارة والمجموعة أو المنظومة الشمسية التي ترتبط بقرص الشمس .