قوله تعالى:{وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لفي قَوْلٍ مُّخْتَلِف ٍيُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} .
قوله تعالى:{ذَاتِ الْحُبُكِ} فيه للعلماء أقوال متقاربة لا يكذب بعضها بعضاً ،فذهب بعض أهل العلم ،إلى أن الحبك جمع حبيكة أو حباك ،وعليه فالمعنى ذات الحبك أي ذات الطرائق ،فما يبدو على سطح الماء الساكن أو الرمل من الطرائق إذا ضربته الريح هو الحبك ،وهو جمع حبيكة أو حباك ،قالوا: ولبعد السماء لا ترى طرائقها المعبر عنها بالحبك ،ومن هذا المعنى قول زهير:
مكلل بأصول النجم تنسجه *** ريح خريق بضاحي مائة حبك
وقول الراجز:
كأنما جللها الحواك *** طنفسة في وشيها حباك
وممن نقل عنه هذا القول الكلبي والضحاك .
وقال بعض أهل العلم: ذات الحبك أي ذات الخلق الحسن المحكم ،وممن قال به ابن عباس وعكرمة وقتادة .
وهذا الوجه يدل عليه قوله تعالى:{الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى في خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور ٍثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [ الملك: 3 -4] إلى غير ذلك من الآيات .
وعلى هذا القول فالحبك مصدر ،لأن كل عمل أتقنه عامله وأحسن صنعه ،تقول فيه العرب: حبكه حبكاً بالفتح على القياس .والحبك بضمتين بمعناه .
وقال بعض العلماء: ذات الحبك: أي الزينة .
وممن روي عنه هذا سعيد بن جبير والحسن ،وعلى هذا القول ،فالآية كقوله:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [ الملك: 5] الآية ،وقد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في ق في الكلام على قوله:{أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا}[ ق: 6] .
وقال بعض العلماء: ذات الحبك أي ذات الشدة ،وهذا القول يدل له قوله تعالى:{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [ النبأ: 12] .
والعرب تسمى شدة الخلق حبكاً ،ومنه قيل للفرس الشديد الخلق: محبوك .
ومنه قول امرئ القيس .
قد غدا يحملني في أنفه *** لاحق الأطلين محبوك ممر