وانتصب{ القرآن} على أنه مفعول ثان لفعل{ علم} ،وهذا الفعل هنا معدَى إلى مفعولين فقط لأنه ورد على أصل ما يفيده التضعيف من زيادة مفعول آخر مع فاعل فعلِه المجرد ،وهذا المفعول هنا يصلح أن يتعلق به التعليم إذ هو اسم لشيء متعلق به التعليم وهو القرآن ،فهو كقول معن بن أوس:
أعلِّمه الرماية كلَّ يوم
وقوله تعالى:{ وإذ علمتك الكتاب} في سورة العقود ( 110 ) وقوله:{ وما علمناه الشعر} في سورة يس ( 69 ) ،ولا يقال: علّمته زيداً صديقاً ،وإنما يقال: أعلمته زيداً صديقاً ،ففعل عَلِم إذا ضُعّف كان بمعنى تحصيل التعليم بخلافه إذ عُدّي بالهمزة فإنه يكون لتحصيل الإِخبار والإِنباء .
وقد عدد الله في هذه السورة نعماً عظيمة على الناس كلهم في الدنيا ،وعلى المؤمنين خاصة في الآخرة وقدم أعظمها وهو نعمة الدين لأن به صلاح الناس في الدنيا ،وباتباعهم إياه يحصل لهم الفوز في الآخرة .ولما كان دين الإسلام أفضل الأديان ،وكان هو المنزّل للناس في هذا الإِبَّان ،وكان متلقى من أفضل الوحي والكتب الإِلهية وهو القرآن ،قدمه في الإِعلام وجعله مؤذناً بما يتضمنه من الدين ومشيراً إلى النعم الحاصلة بما بين يديه من الأديان كما قال:{ هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه}[ الأنعام: 92] .
ومناسبة اسم{ الرحمن} لهذه الاعتبارات منتزعة من قوله:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}[ الأنبياء: 107] .
و{ القرآن}: اسم غلب على الوحي اللفظي الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم للإِعجاز بسورة منه وتعبُّد ألفاظه .