قوله تعالى:{عَلَّمَ الْقُرْءَانَ} .
أي علم نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن فتلقته أمته عنه ،وهذه الآية الكريمة تتضمن رد الله على الكفار في قولهم إنه تعلم هذا القرآن من بشر كما تقدم في قوله:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [ النحل: 103] ،وقوله تعالى{فَقَالَ إِنْ هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [ المدثر: 24] أي يرويه محمد عن غيره .
وقوله تعالى{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين اكْتَتَبَهَا فهي تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [ الفرقان: 4 -5] .
فقوله تعالى هنا{الرَّحْمَانُ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ} أي ليس الأمر كما ذكرتم من أنه تعلم القرآن من بشر ،بل الرحمان جل وعلا هو الذي علمه إياه ،والآيات الدالة على هذا كثيرة جداً ،كقوله تعالى{قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ في السَّمَاواتِ والأرض} [ الفرقان: 6] ،وقوله تعالى{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [ هود: 1] ،وقوله تعالى{حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً} [ فصلت: 1 -4] وقوله تعالى{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [ الأعراف: 52] وقوله تعالى{وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} [ طه: 113] .وقوله تعالى:{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [ الفرقان: 33] وقوله تعالى{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [ القيامة: 17 -19] وقوله تعالى{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا} [ الشورى: 52] وقوله تعالى{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [ يوسف: 3] .وقوله تعالى{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [ النساء: 113] ومن أعظم ذلك هذا القرآن العظيم .
وقوله تعالى{شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [ البقرة: 185] .
وتعليمه جل وعلا هذا القرآن العظيم ،قد بين في مواضع أخر أنه من أعظم نعمه كما قال تعالى{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}إلى قوله تعالى{ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [ فاطر: 32] .
وقد علم الله تعالى الناس أن يحمدوه على هذه النعمة العظمى التي هي إنزال القرآن ،وذلك في قوله تعالى{الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [ الكهف: 1] ،وبين أن إنزاله رحمة منه لخلقه جل وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى{وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [ القصص: 86] وقوله{إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين َرَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [ الدخان: 5 -6] وقد بينا الآيات الموضحة لذلك في الكهف والزخرف .
{عَلَّمَ الْقُرْءَانَ} حذف في أحد المفعولين ،والتحقيق أن المحذوف هو الأول لا الثاني ،كما ظنه الفخر الرازي ،وقد رده عليه أبو حيان ،والصواب هو ما ذكره ،من أن المحذوف الأول ،وتقديره: علم النبي صلى الله عليه وسلم وقيل جبريل ،وقيل الإنسان .