قوله تعالى:{خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ} [ 3 -4] .
اعلم أولاً أن خلق الإنسان وتعليمه البيان من أعظم آيات الله الباهرة ،كما أشار تعالى لذلك بقوله ،في أول النحل:{خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} [ النحل: 4] ،وقوله: في آخر يس{أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ} [ يس: 77] .
فالإنسان بالأمس نطفة واليوم هو في غاية البيان وشدة الخصام يجادل في ربه وينكر قدرته على البعث ،فالمنافاة العظيمة التي بين النطفة وبين الإبانة في الخصام ،مع أن خلقه من نطفة وجعله خصيماً مبيناً آية من آياته جل وعلا دالة على أن المعبود وحده ،وأن البعث من القبور حق .
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة{خَلَقَ الإِنسَانَ} لم يبين هنا أطوار خلقه للإنسان ،ولكنه بينها في آيات أخر كقوله تعالى في الفلاح{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِين ٍثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [ المؤمنون: 12 -14] .
والآيات المبينة أطوار خلق الإنسان كثيرة معلومة .
وقد بينا ما يتعلق بالإنسان من الأحكام في جميع أطواره قبل ولادته في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [ الحج: 5] الآية ،وبينا هناك معنى النطفة والعلقة والمضغة في اللغة .