{ تكاد تميز من الغيظ}
و{ الغيظ} أشد الغضب .وقوله:{ تكاد تميز من الغيظ} خبر ثان عن ضمير{ وهي} ،مثلت حالة فورانها وتصاعد ألسنة لهيبها ورطمها ما فيها والتهام من يُلقون إليها ،بحال مغتاظ شديد الغيظ لا يترك شيئاً مما غاظه إلاّ سلط عليه ما يستطيع من الإِضرار .
واستعمل المركب الدال على الهيئة المشبه بها مع مرادفاته كقولهم: يكاد فلان يتميز غيظاً ويتقصف غَضَباً ،أي يكاد تتفرق أجزاؤه فيتميز بعضها عن بعض وهذا من التمثيلية المكنية وقد وضحناها في تفسير قوله تعالى:{ أولئك على هدى من ربهم} في سورة البقرة ( 5 ) .
ونظير هذه الاستعارة قوله تعالى:{ فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} في سورة الكهف ( 77 ) إذ مثل الجدار بشخص له إرادة .
و{ تميَّز} أصله تتميز ،أي تنفصل ،أي تتجزأ أجزاءً تخييلاً لشدة الاضطراب بأن أجزاءها قاربت أن تتقطع ،وهذا كقولهم: غضب فلان فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء .
{ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير}
أُتبع وصف ما يجده أهل النار عند إلقائهم فيها من فظائع أهوالها بوصف ما يتلقاهم به خزنة النار .
فالجملة استئناف بياني أثاره وصف النار عند إلقاء أهل النار فيها إذ يَتساءل السامع عن سبب وقوع أهل النار فيها فجاء بيانه بأنه تكذيبهم رسل الله الذين أرسلوا إليهم ،مع ما انضمّ إلى ذلك من وصف ندامة أهل النار على ما فرط منهم من تكذيب رسل الله وعلى إهمالهم النظر في دعوة الرسل والتدبر فيما جاءوهم به .
و{ كلما} مركب من ( كل ) اسم دال على الشمول ومن ( ما ) الظرفية المصدرية وهي حرف يؤوَّل مع الفعل الذي بعده بمصدره .
والتقدير: في كل وقت إلقاء فوج يسأل خزنتُها الفوجَ .
وباتصال ( كل ) بحرف ( ما ) المصدرية الظرفية اكتسبَ التركيب معنى الشرط وشابه أدوات الشرط في الاحتياج إلى جملتين مُرتبة إحداهما على الأخرى .
وجيء بفعلي{ أُلقي} و{ سألهم} ماضيين لأن أكثر ما يقع الفعل بعد{ كلما} أن يكون بصيغة المضي لأنها لما شابهت الشرط استوى الماضي والمضارع معها لظهور أنه للزمن المستقبل فأوثر فعل المضي لأنه أخف .
والفوج: الجماعة أي جماعة ممن حق عليهم الخلود ،وتقدم عند قوله تعالى:{ ويوم نحشر من كل أمة فوجاً} في سورة النمل ( 83 ) .
وجيء بالضمائر العائدة إلى الفوج ضمائر جمع في قوله: سألهم} الخ .لتأويل الفوج بجماعة أفراده كما في قوله:{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}[ الحجرات: 9] .
وخزنة النار: الملائكة الموكل إليهم أمر جهنم وهو جمع خازن للموكل بالحفظ وأصل الخازن: الذي يخزن شيئاً ،أي يحفظه في مكان حصين ،فإطلاقه على الموكلين مجاز مرسل .
وجملة{ ألم يأتكم نذير} بيان لجملة{ سألهم} كقوله:{ فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد}[ طه: 120] .
والاستفهام في{ ألم يأتكم نذير} للتوبيخ والتنديم ليزيدهم حسرة .
والنذير: المنذر ،أي رسول منذر بعقاب الله وهو مصوغ على غير قياس كما صيغ بمعنى المسمع السميع في قول عمرو بن معد يكرب:
أمن رياحنة الداعي السميع
والمراد أفواج أهل النار من جميع الأمم التي أرسلت إليهم الرسل فتكون جملة:{ كلما أُلقي فيها فوج} الخ بمعنى التذييل .