والذين كذبوا بالآيات هم المشركون الذين كذبوا بالقرآن ،وقد تقدم وجه تعدية فعل التكذيب بالباء ؛ليدل على معنى الإنكار عند قوله تعالى:{ قل إني على بينةٍ من ربي وكذبتم به} في سورة الأنعام ( 57 ) .
والاستدراج مشتق من الدّرَجة بفتحتين وهي طبقة من البناء مرتفعة من الأرض بقدر ما ترتفع الرِّجْل للارتقاء منها إلى ما فوقها تيسيراً للصعود في مثل العلو أو الصومعة أو البرج ،وهي أيضاً واحدة الأعواد المصفوفة في السلم يرتقى منها إلى التي فوقها ،وتسمى هذه الدرجة مرقاة ،فالسين والتاء في فعل الاستدراج للطلب ،أي طلب منه أن يتدرج ،أي صاعداً أو نازلاً ،والكلام تمثيل لحال القاصد إبدال حال أحد إلى غيرها بدون إشعاره ،بحال من يطلب من غيره أن ينزل من درجة إلى أخرى بحيث ينتهي إلى المكان الذي لا يستطيع الوصول إليه بدون ذلك ،وهو تمثيل بديع يشتمل على تشبيهات كثيرة ،فإنه مبني على تشبيه حُسن الحال برفعة المكان وضده بسفالة المكان ،والقرينة تعيّن المقصود من انتقال إلى حال أحسن أو أسوا .
ومما يشير إلى مراعاة هذا التمثيل في الآية قوله تعالى:{ من حيث لا يعلمون} ولما تضمن الاستدراج معنى الإيصال إلى المقصود علق بفعله مجرور بمن الابتدائية أي مبتدئاً استدراجهم من مكان لا يعلمون أنه مفض بهم إلى المبلغ الضار ،ف{ حيث} هنا للمكان على أصلها ،أي من مكان لا يعلمون ما يفضي إليه ،وحذف مفعول يعلمون لدلالة الاستدراج عليه ،والتقدير: لا يعلمون تدرجه ،وهذا مؤذن بأنه استدراج عظيم لا يظن بالمفعول به أن يتفطن له .