وقد بين الله تعالى ما يعامل به الذين يكذبون بآياته ، ويعادون أولياءه ، ويعاندون الحق ، فقال:
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ( 182 ) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ( 183 ) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ( 184 ) أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ( 185 ) مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( 186 )
كان ما قصه – سبحانه وتعالى – من قصص لنوح وهود وصالح وشعيب ، وموسى وما كان من قومه ومعاناته في سبيل هدايتهم وبث الإيمان في قلوبهم ؛ تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيان ما يلقاه أولو العزم من الرسل من عند الكافرين والضالين .
ومن بعد ذلك أخذ – سبحانه وتعالى – يبين حال المشركين الذين يدعوهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال سبحانه:{ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُون} .
{ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم} هذا حكم عام بالنسبة للمكذبين بالآيات ، لا يأخذهم سبحانه بمجرد تكذيبهم ، بل يمهلهم ويغدق عليهم الرزق حتى إذا تمادوا في شرهم ، ولم تهدهم النعمة ، ولم يحسوا بشكرها أخذهم الله تعالى من حيث لا يحتسبون ، فهو يختبرهم بالآيات فيها العبر ، ثم يختبرهم بالنعم .
ومعنى{ سنستدرجهم} نأخذهم درجة بعد درجة نازلين إلى الهاوية من حيث لا يشعرون ؛ من مكان لا يشعرون فيه أنهم كلما أنهم عليهم بنعمة وكفروها يسيرون إلى الهاوية وهم لا يشعرون ، إن الله يختبر المكذبين لآياته الكونية وما تدل عليه ، والمكذبين لمعجزات النبوة كالقرآن ، وسائر آياته لأنبيائه ، يختبرهم بالنعيم أحيانا يذوقونه ثم يحرمون منه .
ولقد قال تعالى:{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ( 44 ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ( 45 )} ( الأنعام ) .
وإن ما يكون عليه الكافرون من ملاذ وزخارف لا يصح أن يكون علامة الرضا ، بل هو في أكثر الأحوال علامة السخط ، وقد قال تعالى:{ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ( 33 ) ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون ( 34 ) وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ( 35 )} ( الزخرف ) ، وإن ذلك من إملاء الله تعالى ، ليزدادوا ضلالا وفتنة .