وجملة{ لِنَفْتِنَهم فيه} إدماج فهي معترضة بين جملة{ وأن لو استقاموا على الطريقة} الخ وبين جملة{ ومن يعرض عن ذكر ربّه} الخ .
ثم أكدت الكناية عن الإِنذار المأخوذة من قوله:{ وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم} الآية ،بصريح الإِنذار بقوله:{ ومن يعرض عن ذكر ربّه نسلكه عذاباً صعداً} ،أي فإن أعرضوا انقلب حالهم إلى العذاب فسلكنا بهم مسالك العذاب .
والسَّلك: حقيقته الإِدخال ،وفعله قاصر ومتعد ،يقال: سلكه فسلك ،قال الأعشى:
كما سَلكَ السِّكيَّ في الباب فَيْتق
أي أدخل المِسمار في الباب نَجَّارٌ .
وتقدم عند قوله تعالى:{ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} في سورة الحجر ( 12 ) .
واستعمل السَلك هنا في معنى شدة وقوع الفعل على طريق الاستعارة وهي استعارة عزيزة .والمعنى: نعذبه عذاباً لا مصرف عنه .
وانتصب{ عذاباً} على نزع الخافض وهو حرف الظرفية ،وهي ظرفية مجازية تدل على أن العذاب إذا حلّ به يحيط به إحاطة الظرف بالمظروف .
والعدول عن الإِضمار إلى الإِظهار في قوله:{ عن ذكر ربّه} دون أن يقول: عن ذكرنا ،أو عن ذكري ،لاقتضاء الحال الإِيماءَ إلى وجه بناء الخبر فإن المعرض عن ربّه الذي خلقه وأنشأه ودبره حقيق بأن يسلك عذاباً صعداً .
والصّعَد: الشاق الغالِبُ ،وكأنه جاءٍ من مصدر صَعد ،كفرح إذا علا وارتفع ،أي صَعِد على مفعوله وغلبه ،كما يقال: عَلاَه بمعنى تمكن منه ،{ وأن لا تعلوا على الله}[ الدخان: 19] .
وقرأ الجمهور{ نسلكه} بنون العظمة ففيه التفات .وقرأه عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف{ يسلكه} بياء الغائب فالضمير المستتر يعود إلى ربّه .