استئناف بياني يبين للسامع عقبى الاختيار الذي في قوله:{ لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}[ المدثر: 37] أي كل إنسان رَهْن بما كسب من التقدم أو التأخر أو غير ذلك فهو على نفسه بصيرة ليكسب ما يفضي به إلى النعيم أو إلى الجحيم .
و{ رهينة}: خبر عن{ كل نفس} وهو بمعنى مرهونة .
والرهن: الوثاق والحبس ومنه الرهن في الدَيْن ،وقد يطلق على الملازمة والمقارنة ،ومنه: فَرَسا رِهَاننٍ ،وكِلا المعنيين يصح الحمل عليه هنا على اختلاف الحال ،وإنما يكون الرهن لتحقيق المطالبة بحق يخشى أن يتفلت منه المحْقوق به ،فالرهن مشعر بالأخذ بالشدة ومنه رهائن الحرب الذين يأخذهم الغالب من القوم المغلوبين ضماناً لئلا يخيس القومُ بشروط الصلح وحتى يعطوا ديات القتلى فيكون الانتقام من الرهائن .
وبهذا يكون قوله:{ كل نفس} مراداً به خصوص أنفس المنذَرين من البشر فهو من العام المراد به الخصوص بالقرينة ،أي قرينة ما تعطيه مادة رَهينة من معنى الحَبس والأسر .
والباء للمصاحبة لا للسببية .
وظاهر هذا أنه كلام منصف وليس بخصوص تهديدِ أهل الشر .
و{ رهينة}: مصدر بوزن فَعِيلة كالشَّتيمة فهو من المصادر المقترنة بهاء كهاء التأنيث مثل الفُعولة والفعالة ،وليس هو من باب فعيل الذي هو وصف بمعنى المفعول مثيل قتيلة ،إذ لو قصد الوصف لقيل رعين لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا جرى على موصوفه كما هنا ،والإِخبار بالمصدر للمبالغة على حد قول مِسْوَر بن زيادة الحارثي:
أبَعْدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيكِبٍ *** رهينةِ رَمْس ذي تراب وجندل
ألا تراه أثبت الهاء في صفة المذكر وإلاّ لما كان موجب للتأنيث .