وأفادت فاء السّببيّة في قوله:{ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} ،أن استهزاءهم بالمؤمنين في الدنيا كان سبباً في جزائهم بما هو من نوعه في الآخرة إذ جعل الله الذين آمنوا يضحكون من المشركين فكان جزاء وفاقاً .
وتقديم « اليوم » على{ يضحكون} للاهتمام به لأنه يوم الجزاء العظيم الأبدي وقوله:{ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} في اتصال نظمه بما قبله غموض .وسكت عنه جميع المفسرين عدا ابن عطية .ذلك أن تعريف اليوم باللام مع كونه ظرفاً منصوباً يقتضي أن اليوم مراد به يومٌ حاضر في وقت نزول الآية نظير وقتتِ كلام المتكلم إذا قال: اليوم يكون كذا ،يتعين أنه يخبر عن يومه الحاضر ،فليس ضَحِك الذين آمنوا على الكفار بحاصل في وقت نزول الآية وإنما يحصل يوم الجَزاء ،ولا يستقيم تفسير قوله:{ فاليوم} بمعنى: فيوم القيامة الذين آمنوا يضحكون من الكفار ،لأنه لو كان كذلك لكان مقتضى النظم أن يقال فيومئذ الذين آمنوا من الكفار يضحكون .
وابن عطية استشعر إشكالها فقال: « ولما كانت الآيات المتقدمة قد نيطت بيوم القيامة وأن الويل يومئذ للمكذبين ساغ أن يقول:{ فاليوم} على حكاية ما يقال يومئذ وما يكون اه .
وهو انقداح زناد يحتاج في تَنَوُّرِهِ إلى أعواد .
فإمّا أن نجعل ما قبله متصلاً بالكلام الذي يقال لهم يوم القيامة ابتداء من قوله:{ ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون}[ المطففين: 17] إلى هنا كما تقدم .
وإمّا أن يجعل قوله:{ فاليوم الذين آمنوا} الخ مقول قول محذوف دل عليه قوله في الآية قبله:{ ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون} .والتقدير: يقال لهم اليومَ الذين آمنوا يضحكون منكم .
وقدم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله:{ الذين آمنوا من الكفار يضحكون} دون أن يقال: فاليوم يضحك الذين آمنوا ،لإِفادة الحصر وهو قصر إضافي في مقابلة قوله:{ كانوا من الذين آمنوا يضحكون} أي زال استهزاء المشركين بالمؤمنين فاليومَ المؤمنون يضحكون من الكفار دون العكس .
وتقديم{ من الكفار} على متعلَّقه وهو{ يضحكون} للاهتمام بالمضحوك منهم تعجيلاً لإِساءتهم عند سماع هذا التقريع .
وقوله:{ من الكفار} إظهار في مقام الإِضمار ،عُدل عن أن يقال: منهم يضحكون ،لما في الوصف المظهر من الذم للكفار .