تذييل للكلام وتنويه به بأنه من الكلام النافع الثابت في كتب إبراهيم وموسى عليهما السلام ،قصد به الإِبلاغ للمشركين الذين كانوا يعرفون رسالة إبراهيم ورسالة موسى ،ولذلك أكّد هذا الخبر ب{ إنَّ} ولام الابتداء لأنه مسوق إلى المنكرين .
والإِشارة بكلمة{ هذا} إلى مجموع قوله{ قد أفلح من تزكى إلى قوله وأبقى}[ الأعلى: 14 17] فإن ما قَبْل ذلك من أول السورة إلى قوله:{ قد أفلح من تزكى}[ الأعلى: 14] ،ليس مما ثَبت معناه في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام .
روى ابن مردويه والآجُري عن أبي ذر قال: « قلت يا رسول الله هل أُنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟قال: نعم{ قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والأخرة خير وأبقى}[ الأعلى: 14 17] .ولم أقف على مرتبة هذا الحديث .
ومعنى الظرفية من قوله:{ لفي الصحف} أن مماثله في المعنى مكتوب في الصحف الأولى ،فأطلقت الصحف على ما هو مكتوب فيها على وجه المجاز المرسل كما في قوله تعالى:{ وقالوا ربنا عجل لنا قطنا}[ ص: 16] ،أي ما في قِطِّنا وهو صك الأعمال .
و{ الصحف}: جمع صحيفة على غير قياس لأن قياس جمعه صحائف ،ولكنه مع كونه غير مقيس هو الأفصح كما قالوا: سُفُن في جمع سفينة ،ووجه جمع الصحف أن إبراهيم كانت له صحف وأن موسى كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة .
وجاء نظم الكلام على أسلوب الإِجمال والتفصيل ليكون لهذا الخبر مزيد تقرير في أذهان الناس فقوله:{ صحف إبراهيم وموسى} بدل من{ الصحف الأولى} .
و{ الأولى}: وصف لصُحف الذي هو جمع تكسير فله حكم التأنيث .و{ الأولى} صيغة تفضيل .واختلف في الحروف الأصلية للفظ أوّل فقيل: حروفه الأصول همزة فواو ( مكررة ) فلام ذكره في « اللسان » فيكون وزن أول: أَأَوَل ،فقلبت الهمزة الثانية واواً وأدغمت في الواو .وقيل: أُصوله: وَاوَان ولام وأن الهمزة التي في أوله مزيدة فوزن أول: أفعل وإدغام إحدى الواوين ظاهر .
وقيل: حروفه الأصلية واو وهمزة ولام فأصل أول أوْ ألْ بوزن أفعل قلبت الهمزة التي بعد الواو واواً وأدغما .
و{ الأولى}: مؤنث أفعل من هذه المادة فإما أن نقول: أصلها أُوْلى سكنت الواو سكوناً ميتاً لوقوعها إثر ضمة ،أو أصلها: وُوْلَى بواو مضمومة في أوله وسكنت الواو الثانية أيضاً ،أو أصلها: وُألَى بواو مضمومة ثم همزة ساكنة فوقع فيه قلب ،فقيل: أولى فوزنها على هذا عُفْلَى .