عُطِفَ على تفريع الأمر بالشكر على النعم أمر بطلب استمرار نعم الله تعالى عليه كما قال تعالى:{ لئن شكرتم لأزيدنكم}[ إبراهيم: 7] .
والرغبة: طلب حصول ما هو محبوب وأصله أن يعدى إلى المطلوب منه بنفسه ويعدى إلى الشيء المطلوب ب ( في ) .ويقال: رغب عن كذا بمعنى صرَف رغبتهُ عنه بأن رغب في غيره وجُعل منه قوله تعالى:{ وترغبون أن تنكحوهن}[ النساء: 127] بتقدير حرف الجر المحذوف قبل حرف ( أنْ ) هو حرف ( عَن ) .وذلك تأويل عائشة أم المؤمنين كما تقدم في سورة النساء .
وأما تعدية فعل{ فارغب} هنا بحرف{ إلى} فلتضمينه معنى الإِقبال والتوجه تشبيهاً بسير السائر إلى من عنده حاجته كما قال تعالى عن إبراهيم:{ وقال إني ذاهب إلى ربي}[ الصافات: 99] .
وتقديم إلى{ ربك} على{ فارغب} لإِفادة الاختصاص ،أي إليه لا إلى غيره تكون رغبتك فإن صفة الرسالة أعظم صفات الخلق فلا يليق بصاحبها أن يرغب غير الله تعالى .
وحُذف مفعول « ارغب » ليعم كل ما يرغبه النبي صلى الله عليه وسلم وهل يرغب النبي إلا في الكمال النفساني وانتشار الدين ونصر المسلمين .
واعلم أن الفاء في قوله:{ فانصب}[ الشرح: 7] وقوله:{ فارغب} رابطة للفعل لأن تقديم المعمول يتضمن معنى الاشتراط والتقييد فإن تقديم المعمول لما أفاد الاختصاص نشأ منه معنى الاشتراط ،وهو كثير في الكلام قال تعالى:{ بل الله فاعبد}[ الزمر: 66] وقال:{ وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر}[ المدثر: 3 5] ،وفي تقديم المجرور قال تعالى:{ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}[ المطففين: 26] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمَن سأل منه أن يَخرج للجهاد:"ألكَ أبَوان ؟قال: نعم: فقال ففيهما فجاهد".بل قد يعامل معاملة الشرط في الإِعراب كما روي قول النبي صلى الله عليه وسلم"كما تَكونُوا يُوَلَّ عليكم"بجزم الفعلين ،وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى:{ فبذلك فليفرحوا} في سورة يونس ( 58 ) .
وذكر الطيبي عن « أمالي السيد » ( يَعني ابنَ الشَجَري ) أن اجتماع الفاء والواو هنا من أعجب كلامهم لأن الفاء تعطف أو تدخل في الجواب وما أشبَهَ الجوابَ بالاسم الناقص ،أو في صلة الموصول الفعلية ( لشبهها بالجواب ) ،وهي هنا خارجة عما وضعت له ا ه .ولا يبقى تعجب بعد ما قررناه .