( وإلى ربّك فارغب ) ،أي فاعتمد على اللّه في كلّ الأحوال .
اطلب رضاه ،واسع لقربه .
الآيتانحسب ما ذكرناهلهما مفهوم واسع عام يقضي بالبدء بمهمّة جديدة بعد الفراغ من كلّ مهمّة .وبالتوجه نحو اللّه في كلّ المساعي والجهود ،لكن أغلب المفسّرين ذكروا معاني محددة لهما يمكن أن يكون كلّ واحد منها مصداقاً للآيتين .
قال جمع منهم: المقصود ،إنّك إذا فرغت من فريضة الصلاة فادع اللّه واطلب منه ما تريد .
أو: عند فراغك من الفرائض انهض لنافلة الليل .
أو: عند فراغك من أمور الدنيا ابدأ بأمور الآخرة والصلاة وعبادة الربّ .
أو: عند فراغك من الواجبات توجه إلى المستحبات التي حثّ عليها اللّه .
أو: عند فراغك من جهاد الأعداء انهض إلى العبادة .
أو: عند فراغك من جهاد الأعداء ابدأ بجهاد النفس .
أو: عند انتهائك من أداء الرسالة انهض لطلب الشفاعة .
الحاكم الحسكانيعالم أهل السنة المعروفروي عن الإمام الصادق( عليه السلام )في «شواهد التنزيل » في تفسير الآية إنّها تعني: «إذا فرغت فانصب عليّاً بالولاية »{[6064]} .
القرطبي في تفسيره روى عن بعضهم أنّ معنى الآية: «إذا فرغت فانصب إماماً يخلفك » .( لكنّه ردّ هذا المعنى ){[6065]} .
موضوع «الفراغ » في الآية لم يذكر ،وكلمة «فانصب » من النصب أي التعب والمشقّة ،ولذلك فالآية تبيّن أصلاً عاماً شاملاً .وهدفها أن تحث النّبي باعتباره القدوةعلى عدم الخلود إلى الراحة بعد انتهائه من أمر هام .وتدعوه إلى السعي المستمر .
انطلاقاً من هذا المعنى يتّضح أنّ التفاسير المذكورة للآية كلّها صحيحة ،ولكن كل واحد منها يقتصر على مصداق معين من هذا المعنى العام .
وما أعظم العطاء التربوي لهذا الحثّ ،وكم فيه من معاني التكامل والانتصار !!البطالة والفراغ من عوامل الملل والخمول والتقاعس والاضمحلال .بل من عوامل الفساد والسقوط في أنواع الذنوب غالباً .
وحسب الإحصائيات ،مستوى الفساد عند عطلة المؤسسات التعليمية يرتفع إلى سبعة أضعاف أحياناً .
وبإيجاز ،هذه السّورة تبيّن بمجموعها عناية ربّ العالمين الخاصّة للنّبي الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،وتسلية قلبه أمام المشاكل ،ووعده بالنصر أمام عقبات الدعوة ،وهي في الوقت ذاته تحيي الأمل والحركة والحياة في جميع البشرية المهتدية بهدى القرآن .
/خ8