أخبر عن عموم قدرته تعالى ، وأن الخلق كلهم تحت تسخيره وقدرته ، وانه آخذ بنواصيهم ، فلا محيص لهم عن نفوذ مشيئته وقدرته فيهم . ثم عقب ذلك بالإخبار عن تصرفه فيهم ، وأنه بالعدل لا بالظلم ، وبالإحسان لا بالإساءة ، وبالصلاح لا بالفساد ، فهو يأمرهم وينهاهم إحسانا إليهم وحماية وصيانة لهم .
ولا حاجة إليهم ، ولا بخلا عليهم ، بل جودا وكرما وبرا ولطفا ، ويثيبهم إحسانا وتفضلا ورحمة . لا لمعاوضة واستحقاق منهم ودين واجب لهم يستحقونه عليه ويعاقبهم عدلا وحكمة ، لا تشفيا ولا مخافة ولا ظلما ، كما يعاقب الملوك وغيرهم . بل هو على الصراط المستقيم وهو صراط العدل والإحسان . في أمره ونهيه ، وثوابه وعقابه .
فتأمل ألفاظ هذه الآية وما جمعته من عموم القدرة ، وكمال الملك ، ومن تمام الحكمة والعدل والإحسان ، وما تضمنته من الرد على الطائفتين ، فإنها من كنوز القرآن . ولقد كفت وشفت لمن فتح عليه باب فهمها .
فكونه تعالى على صراط مستقيم:ينفي ظلمه للعباد . وتكليفه إياهم ما لا يطيقون . وينفى العيب عن أفعاله وشرعه ، ويثبت لها غاية الحكمة والسداد ، ردا على منكري ذلك ، وكون كل دابة تحت قبضته وقدرته ، وهو آخذ بناصيتها .
ينبغي أن لا يقع في ملكه من أحد مخلوقاته شيء بغير مشيئته وقدرته .
وأن من ناصيته بيد الله وفي قبضته لا يمكنه أن يتحرك إلا بتحريكه ، ولا يفعل إلا بإقداره ، ولا يشاء إلا بمشيئته تعالى ، وهذا أبلغ رد على منكري ذلك من القدرية فالطائفتان ما وفوا الآية معناها ، ولا قدروها حق قدرها .
فهو سبحانه على صراط مستقيم في عطائه ومنعه ، وهدايته ، وإضلاله ، وفي نفعه وضره ، وعافيته ، وبلائه ، وإغنائه ، وإفقاره ، وإعزازه ، وإذلاله ، وإنعامه وانتقامه ، وثوابه وعقابه ، وإحيائه وإماتته ، وأمره ونهيه ، وتحليله وتحريمه ، وفي كل ما يخلق ، وكل ما يأمر به ، وهذه المعرفة بالله لا تكون إلا للأنبياء ولورثتهم .