{بِنَاصِيَتِهَآ}: الناصية: قصاص الشعر وأعلى الجبهة ،والمراد بأخذها هنا: ملك الأمر كله .
لا قوة لأحد إلا بإذن الله
وهذا ما أراد هود تأكيده أمام قومه من خلال موقفه:{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} ،فهو مصدر القوة في الحياة لأنه مصدر حياة كل حيّ ،وهو المهيمن على كل شيء ،فلا تستطيعون إضراري إذا لم يأذن الله بذلك ،لأنكم لا تملكون القوّة الذاتية ،ولا يملكها أحدٌ من خلقه .{مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ} في ما يحمله الأخذ بالناصيةوهي أعلى الجبهةمن معنى كنائي ،يفيد السيطرة على الأمر كله من جميع جوانبه .وهذا ما يوحي بحماية الإنسان المتوكل على الله بوعي داخلي ،من كل سوء{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} في ما تمثله عقيدة الإيمان من قاعدة ،وفي ما تتحرك به شريعته من خطّ ونهج ،للفكر وللسلوك معاً ،ولهذا فإنني سأظل سائراً في هذا الخط المستقيم ،ولن أنحرف عنه تحت تأثير أي ضغط أو تهديد ،أو طمع أو شهوة ،مما تحاولون إثارته أمامي بأساليبكم المتنوّعة المليئة بالترغيب والترهيب ،لأنّ ذلك هو معنى الإيمان بالله الذي يجعل الحياة ،بكل آفاقها وساحاتها ،تبدأ منه وتنتهي إليه .
تحفُّظ على فكرة
وقد حاول بعض المفسرين أن يجعل من التحدّي الذي أطلقه هود في وجه قومه ،معجزةً لهود ،وأيّد ذلك صاحب الميزان في تفسيره بقوله: «ذلك أن ظاهر الجواب أن يقطع به ما ذكر من الرّد في صورة الحجة ،وفيها قولهم{مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} ،ومن المستبعد جداً أن يهمل النبيّ هود( ع ) في دعوته وحجته التعرض للجواب عنه ،مع كون هذا التحدّي والتعجيز صالحاً في نفسه لأن يتخذ آية معجزة » .
ونحن نتحفّظ على هذه الاستفادة ،لأن سياق الآية هو ردّ التحدي بصلابة في الموقف ترفض التراجع ،والتنازل ،أمام التهديدات ،لا المجابهة بالبيّنة التي أرادوها ،لأن ما أرادوه كما يبدو ،هو المظاهر الخارقة للعادة حسّياً ،أو لأنّ ما ذكروه لم يكن طلباً للبيّنة ،بقدر ما كان إنكاراً عنادياً لما قدّمه من البيّنة ،فهم ليسوا في موضع مَنْ يبحث عن الحقيقة من موقع الحوار ،بل هم في وضع مَنْ يريد إنكار ضوء الشمس .كما أن موقف هود ،هو موقف مَنْ يريد إنهاء الحوار ،لا البدء في حوار جديد حول المعجزة الجديدة .