جملة{ إنّي توكلت} تعليل لمضمون{ فكيدوني} وهو التعجيز والاحتقار .يعني: أنه واثق بعجزهم عن كيده لأنه متوكل على الله ،فهذا معنى ديني قديم .
وأُجري على اسم الجلالة صفة الربوبية استدلالاً على صحة التوكل عليه في دفع ضرهم عنه ،لأنه مالكهم جميعاً يدفع ظلم بعضهم بعضاً .
وجملة{ ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها} في محل صفة لاسم الجلالة ،أو حال منه ،والغرض منها مثل الغرض من صفة الربوبية .
والأخذ: الإمساك .
والناصية: ما انسدل على الجبهة من شعر الرأس .والأخذ بالناصية هنا تمثيل للتمكّن ،تشبيهاً بهيئة إمساك الإنسان من ناصيته حيث يكون رأسه بيد آخذه فلا يستطيع انفلاتاً .
وإنما كان تمثيلاً لأن دواب كثيرة لا نواصي لها فلا يلتئم الأخذ بالناصية مع عموم{ ما من دابة} ،ولكنه لما صار مثلاً صار بمنزلة: ما من دابة إلا هو متصرف فيها .ومن بديع هذا المثل أنّه أشدّ اختصاصاً بالنوع المقصود من بين عموم الدّواب ،وهو نوع الإنسان .والمقصود من ذلك أنّه المالك القاهر لجميع ما يدبّ على الأرض ،فكونه مالكاً للكلّ يقتضي أن لا يفوته أحد منهم ،وكونه قاهراً لهم يقتضي أن لا يعجزه أحد منهم .
وجملة{ إن ربّي على صراط مستقيم} تعليل لجملة{ إنّي توكّلت على الله} ،أي توكّلت عليه لأنّه أهل لتوكلي عليه ،لأنّه متّصف بإجراء أفعاله على طريق العدل والتأييد لرسله .
و{ على} للاستعلاء المجازي ،مثل{ أولئك على هدىً من ربهم}[ البقرة: 5] مستعارة للتمكّن المعنوي ،وهو الاتّصاف الراسخ الذي لا يتغير .
والصراط المستقيم مستعار للفعل الجاري على مقتضى العدل والحكمة لأنّ العدل يشبّه بالاستقامة والسواء .قال تعالى:{ فاتبعني أهدك صراطاً سويّاً}[ مريم: 43] .فلا جرم لا يُسْلم المتوكّل عليه للظّالمين .