وقد اختلف في معنى قولهم:{ قلوبنا غلف} .
فقالت طائفة:المعنى قلوبنا أوعية للحكمة والعلم . فما بالها لا تفهم عنك ما أتيت به ؟ أو لا تحتاج إليك ؟ وعلى هذا فيكون ( غلف ) جمع غلاف .
والصحيح:قول أكثر المفسرين:أن المعنى قلوبنا لا تفقه ، ولا تفهم ما تقول . وعلى هذا فهو جمع أغلف ، كأحمر وحمر ، وقال أبو عبيدة:كل شيء في غلاف فهو أغلف ، كما يقال:«سيف أغلف » ، و«قوس أغلف » ، و«رجل أغلف » ، غير مختون ، وقال ابن عباس رضي الله عنه وقتادة:على قلوبنا غشاوة ، فهي في أوعية ، فلا تعي ولا تفقه ما تقول .
وهذا هو الصواب في معنى الآية لتكرر نظائره في القرآن . كقولهم:{ قلوبنا في أكنة} [ فصلت:5] وقوله تعالى:{ كانت أعينهم في غطاء عن ذكري} [ الكهف:101] ونظائر ذلك .
وأما قول من قال:هي أوعية للحكمة ، فليس في اللفظ ما يدل عليه البتة . وليس له في القرآن نظير يحمل عليه ، ولا يقال مثل هذا اللفظ في مدح الإنسان نفسه بالعلم والحكمة ، فأين وجدتم في الاستعمال قول القائل:قلبي غلاف ، وقلوب المؤمنين العالمين غلف ، أي أوعية للعلم .
والغلاف قد يكون وعاء للجيد والرديء ، فلا يلزم من كون القلب غلافا أن يكون داخله العلم والحكمة . وهذا ظاهر جدا .
فإن قيل:فالإضراب ب ( بل ) على هذا القول الذي قويتموه ، ما معناه ؟
وأما على القول الآخر فظاهر ، أي ليست قلوبكم محلا للعلم والحكمة ، بل مطبوع عليها .
قيل:وجه الإضراب في غاية الظهور . وهو أنهم احتجوا بأن الله لم يفتح لهم الطريق إلى فهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفته ، بل جعل قلوبهم داخلة في غلف فلا تفقهه . فكيف تقوم به عليه الحجة ؟ وكأنهم ادعوا أن قلوبهم خلقت في غلف ، فهم معذورون في عدم الإيمان ، فأكذبهم الله وقال:{ بل لعنهم الله بكفرهم} وفي الآية الأخرى{ بل طبع الله عليها بكفرهم} [ النساء:155] فاخبر سبحانه أن الطبع والإبعاد عن توفيقه وفضله إنما كان بكفرهم الذي اختاروه لأنفسهم ، وآثروه على الإيمان ، فعاقبهم عليه بالطبع واللعنة .
والمعنى:لم نخلق قلوبهم غلفا لا تعي ولا تفقه ، ثم أمرهم بالإيمان ، وهم لا يفقهونه ، بل اكتسبوا أعمالا عاقبناهم عليها بالطبع على القلوب والختم عليها .