و«السراب » ما يرى في الفلاة المنبسطة من ضوء الشمس وقت الظهيرة ، يسرب على وجه الأرض ، كأنه ماء يجري .
و«القيعة » والقاع:هو المنبسط من الأرض الذي لا جبل فيه ولا واد .
فشبه علوم من لم يأخذ علومه من الوحي وأعماله:بسراب يراه المسافر في شدة الحر فيؤمه ، فيخيب ظنه ، ويجده نارا تتلظى .
فهكذا علوم أهل الباطل وأعمالهم إذا حشر الناس ، واشتد بهم العطش بدت لهم كالسراب فيحسبونه ماء ، وإذا أتوه وجدوا الله عنده ، فأخذتهم زبانية العذاب فنقلوهم إلى نار الجحيم:{ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} [ محمد:15] وذلك الماء الذي سقوه هو بلك العلوم التي لا تنفع والأعمال التي كانت لغير اللهتعالى صيرها الله تعال حميما ، وسقاهم إياه ، كما أن طعامهم:{ من ضريع * لا يسمن ولا يعني من جوع} [ الغاشية:6 . 7] وهو تلك العلوم والأعمال الباطلة ، التي كانت في الدنيا كذلك لا تسمن ولا تغني من جوع .
وهؤلاء هم الذين قال الله عنهم{ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الدين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [ الكهف:103 . 104] .
وهم الدين عنى الله بقوله:{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} [ الفرقان:23] .
وهم الذين عنى بقوله تعالى:{ كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ومنا هم بخارجين من النار} [ البقرة:167] .
القسم الثاني من هذا الصنف:أسحاب الظلمات .
وهم المنغمسون في الجهل ، بحيث قد أحاطت بهم جاهليتهم من كل وجه ، وهم لذلك بمنزلة الأنعام ، بل هم أضل سبيلا .
فهؤلاء أعمالهم التي يعملونها على غير بصيرة ، بل بمجرد التقليد ، واتباع الآباء من غير نور من الله تعالى .
فظلمات:جمع ظلمة ، وهي ظلمة الجهل ، وظلمة الكفر ،ن وظلمة ظلم النفس بالتقليد واتباع الهوى ، وظلمة الشك والريب ، وظلمة الإعراضعن الحق الذي بعث الله تعالى به رسله صلوات الله وسلامه عليهم . والنور الذي أنزله معهم ليخرجوا به الناس من الظلمات إلى النور .
فالمعرض عما بعث الله به عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق يتقلب في خمس ظلمات:قوله ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجهظلمة ، ومصيره إلى الظلمة ، وقلبه مظلم ، ووجهه مظلم ، وكلامه مظلم ، وحاله مظلم ، وإذا قابلت بصيرته الخفاشية ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من النور جدََّ في الهرب منه ، وكاد نوره يخطف بصره . فهرب إلىظلمات الآراء . التي هي به أنسب . كما قيل:
خفافيش أعشاها النهار بضوئه *** ووافقها قِطْعٌ من الليل مظلم
فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونحاتة الأذهان ، جال وصال ، وأبدي وأعاد ، وقعقع وفرقع . فإذا طلع نور الوحي ، وشمس الرسالة انجحر في جِحَرة الحشرات .