ماذا يبقى للكافرين من أعمالهم التي يعيشون في أنفسهم الشعور بأنها تمنحهم الخلاص وتفتح لهم آفاق الأحلام في ما تقرّبوا به إلى آلهتهم ،وما تحركوا به في حياتهم مما يعتبرونه من مواقع الخير ؟
إن الكفر لا يرتكز على حقيقة ثابتة في واقع الكون ،بل هو وهم يطوف حول سطح الذهن ،فلا يمثل إلا الفراغ الموحش القاتل الذي لا يمتلئ بشيء ،ولهذا فإن كل الأعمال والأوضاع التي تنطلق منه وتعتمد عليه لا تحقق أيّة نتيجةٍ إيجابية على مستوى المصير ،لأن ما ينطلق من الوهم لا بد من أن ينتج الوهم الذي لا يمنع الحقيقة المضادة أن تفرض نفسها على النهاية .
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماء حَتَّى إِذَا جاءه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} ما هو السراب ؟إنه الصورة الوهمية للماء الذي يلمع في المفازة كالماء نتيجة انعكاس الشمس على الأرض المستوية في الأفق البعيد ،فيخيّل للظمآن الباحث عن الماء لريّ عطشه أنه ماء في الصحراء المترامية الأطراف ،فيركض إليه ولكنه يبتعد عنه ،وتبقى الصورة تركض أمامه لتغريه بالاستمرار في الركض ،حتى إذا انتهى به السير إلى أقصى ما يستطيع بلوغه ،لم يجد هناك أيّ شيءٍ يوحي بالماء ...وهذا هو حال الكافرين في ما يقومون به من الأعمال والقرابين التي يقدمونها لآلهتهم الموهومة ،إذ يتصورون لها قدراتٍ مزعومةً ،وأسراراً لا حقيقة لها ،وهم يأملون الحصول على نتائج إيجابية على مستوى أحلامهم ومصيرهم ،ولكنهم لا يحصلون على أيّ شيء من ذلك في نهاية المطاف ،تماماً كما هو حال الراكض وراء السراب بحثاً عن الماء ،حتى إذا أدركه لم يجده شيئاً .
{وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} وتلك هي المفاجأة الكبرى التي لم يحسب لها حساباً ،لأنه لم يكن يؤمن بأن هناك حياةً تنتظره بعد الموت ،وأن هناك حساباً يواجهه بتاريخ أعماله في الدنيا ،وأنه سيقف بين يدي الله وقفة العبد الحائر الخائف ليوفيه حسابه على ما أسلف من الكفر ومن العمل المرتكز عليه ،{وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} فلا تعجزه كثرة العباد وكثرة الأعمال الصادرة عنهم عن اختصار الزمن الذي ينتهي به حسابهم .وفي هذا الجوّ ،ورد أن الإمام أمير المؤمنين ( ع ) سئل: «كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم » ؟فأجاب: «كما يرزقهم على كثرتهم » ،لإحاطة علمه بكل شيء .