أعمال الكفار ونتيجتها
وصف الله تعالى أعمال الذين كفروا الخيرة في زعمهم وضرب لها مثلا ، وأعمال الشر من عبادة الأوثان وما يتعلق بها من نيات ، وقد قال تعالى في آية أخرى في وصف أعمال الخير في نظرهم ، فقال:{ مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 117 )} [ آل عمران] .
وأن الله تعالى ضرب مثلا في هذه الآيات للأعمال التي يحسبونها خيرا كالعطاء عند الميسر وشرب الخمر ، ويبنون عليها طلب الجزاء يوم القيامة ، فإذا جاء لا يجدون ، فشبهها سبحانه وتعالى بقوله:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} السراب هو ما يرى في اشتداد الحر كالماء ويسرب ويجري كالماء ، وهو لا حقيقة له في ذاته ، ولكنه الظمأ يصوره للظمآن كأنه ماء ، والقيعة جمع قاع وهو ما انبسط من الأرض لا زرع فيه ولا شجر ، والمعنى أن الذين كفروا يعتمدون على ما يحسبونه خيرا في زعمهم ، وهو خير في ذاته كصلة الرحم ، ولكن لا قيمة له لعدم الإيمان ، والنية الحسنة ، ويحسبون به أنه خير قدموه وهو لا وجود له ، فهو كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء ، ويسير حتى يجهده السير ، ويسير ثم يسير ، ويشتد في طلبه حتى إذا جاء إلى ما ظنه عنده لم يجده شيئا ،{ وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ} ليحاسبه أشد الحساب ،{ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ، أي أن الله موف الحساب من عذاب الجحيم ، وقال:{ سَرِيعُ الْحِسَابِ} للدلالة على تأكد وقوعه ، أنه لا يتأخر حتى ينسى ، ولا يتصور أن ينسى ، بل يجيء سريعا مؤكدا ولا يمكن أن يهمل .
هذا تشبيه ما يظنونه خيرا ، كما كانوا يفعلون من أعمال أي لا يريدون بها ما عند الله ، بل يريدون التعاظم والتفاخر بها ، ولا يحتسبون أنها مقربة لله ، لأنهم كانوا يشركون به .