{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيّ} أي تتراكم أمواجه ،فيتصاعد الموج فيه{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} في ما يثيره ذلك من فقدان الرؤية{مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ} يحجب ضوء الشمس ،وبذلك يكون الجوّ مكفهرّاً مدلهماً لا يوحي بأية إشراقةٍ تدل على الطريق ،أو تفتح النظر إلى الأفق ،{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} ،لأن الظلمات قد حجبت كل مواقع الرؤية ..
وهذا هو حال الكافرين الذين لم ينفتحوا على مواقع نور الإيمان ،لتشرق أرواحهم وعقولهم بمعرفة الله ،وتهتدي خطواتهم إلى طريقه ،بل غرقوا في ظلمات الكفر التي تمنعهم من إدراك أسرار الحياة الواسعة ،في ما يحيط بهم من آفاق الكون ،وفي ما تختزنه في أعماقها من دلائل وبيّنات ...واستغرقوا في ظلمات ذواتهم وشهواتهم وأطماعهم ،وأخلدوا إلى الأرض ،فلم يرتفعوا إلى مجالات المعرفة الفسيحة ،وكانت نفوسهم في ظلمات الفكر والروح والعمل ،ظلمات بعضها فوق بعض ،إذا تحرك في أيّ طريق نحو أيّ هدف ،فإنه لا يبصر طريقه ولا يعرف مواطىء قدمه ،لأنه لا يملك النور الإلهي المنطلق من المنابع المنفتحة على أفق المعرفة ..
{وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً} يفتح به سبل الحق أمامه ويهديه إليها ،مما إذا سار فيها اهتدى إلى مواقع النور ،وإذا انحرف عنها واتّبع طريقاً آخر في خط الظلمات ،فإن الله لا يعطيه نوراً جديداً من مواقع غيبه ،وذلك في ما جرت به حكمته من أنه يفتح لعباده آفاق المعرفة ومواقع الهدى ويدلهم عليها ،ويقودهم إليها ،فإذا أغلقوا ذلك على أنفسهم بالتمرّد والعصيان ،لم يفتحها لهم من جديد ..وهكذا ينسب الله الحرمان إليه ،باعتبار أنه تركهم للظلمات ،فضاعوا في غياهبها ،لأن من لم يجعل الله له نوراً{فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} لأن الله وحده هو من يهب النور لعباده في مواقعه الحسية والمعنوية ،وليس هناك نور لدى غيره ..