وأما التزيين فقال تعالى:{ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم} وقال:{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [ فاطر:8] ، وقال:{ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ الأنعام:43] .
فأضاف التزيين إليه منه سبحانه خلقا ومشيئة ، وحذف فاعله تارة ، ونسبة إلى سببه ، ومن أجراه على يده تارة .
وهذا التزيين منه سبحانه حسن ، إذ هو ابتلاء واختبار للعبد ليتميز المطيع منهم من العاصي ، والمؤمن من الكافر ، كما قال تعالى:{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [ الكهف:7] وهو من الشيطان قبيح .
وأيضا:فتزيينه سبحانه للعبد عمله السيئ عقوبة منه له على إعراضه عن توحيده وعبوديته ، وإيثار سيء العمل على حسنه فإنه لا بد أن يعرفه سبحانه السيئ من الحسن ، فإذا آثر القبيح واختاره وأحبه ورضيه لنفسه زينه سبحانه له وأعماه عن رؤية قبحه بعد أن رآه قبيحا . وكل ظالم وفاجر وفاسق لا بد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحا ، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤية قبحه من قلبه .
فربما رآه حسنا عقوبة له ، فإنه إنما يكشف له عن قبحه بالنور الذي في قلبه ، وهو حجة الله عليه فإذا تمادى في غيه وظلمه ذهب ذلك النور ، فلم ير قبحه في ظلمات الجهل والفسوق والظلم ، ومع هذا فحجة الله قائمة عليه بالرسالة ، وبالتعريف الأول .
فتزيين الرب تعالى عدل ، وعقوبته حكمة ، وتزيين الشيطان إغواء وظلم وهو السبب الخارج عن العبد ، والسبب الداخل فيه حبه وبغضه ، وإعراضه ، والرب سبحانه خالق الجميع ، والجميع واقع بمشيئته وقدرته ، ولو شاء لهدى خلقه أجمعين ، والمعصوم من عصمه الله ، والمخذول من خذله الله ، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين .