يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين ، وإن كان فيه مصلحة ، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين ، وهو الله لا إله إلا هو .
كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية:قالوا:يا محمد ، لتنتهين عن سبك آلهتنا ، أو لنهجون ربك ، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ، ( فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة:كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فيسب الكفار الله عدوا بغير علم ، فأنزل الله:( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ) .
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن السدي أنه قال في تفسير هذه الآية:لما حضر أبا طالب الموت قالت قريش:انطلقوا فلندخل على هذا الرجل ، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه ، فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته ، فتقول العرب:كان يمنعهم فلما مات قتلوه . فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحارث ، وأمية ، وأبي ابنا خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن العاص ، والأسود بن البختري وبعثوا رجلا منهم يقال له:"المطلب "، قالوا:استأذن لنا على أبي طالب ، فأتى أبا طالب فقال:هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك ، فأذن لهم عليه ، فدخلوا عليه فقالوا:يا أبا طالب ، أنت كبيرنا وسيدنا ، وإن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا ، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ، ولندعه وإلهه . فدعاه ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو طالب:هؤلاء قومك وبنو عمك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما تريدون؟ "قالوا:نريد أن تدعنا وآلهتنا ، ولندعك وإلهك . قال له أبو طالب:قد أنصفك قومك ، فاقبل منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أرأيتم إن أعطيتكم هذا ، هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم بها العرب ، ودانت لكم بها العجم ، وأدت لكم الخراج ؟ "قال أبو جهل:وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها قال:فما هي؟ قال:"قولوا لا إله إلا الله "فأبوا واشمأزوا . قال أبو طالب:يا ابن أخي ، قل غيرها ، فإن قومك قد فزعوا منها . قال:"يا عم ، ما أنا بالذي أقول غيرها ، حتى يأتوا بالشمس فيضعوها في يدي ، ولو أتوا بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها "إرادة أن يؤيسهم ، فغضبوا وقالوا:لتكفن عن شتم آلهتنا ، أو لنشتمنك ونشتم من يأمرك ، فذلك قوله:( فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .
ومن هذا القبيل - وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها - ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ملعون من سب والديه "قالوا:يا رسول الله ، وكيف يسب الرجل والديه؟ قال:"يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه "أو كما قال عليه السلام .
وقوله تعالى:( كذلك زينا لكل أمة عملهم ) أي:وكما زينا لهؤلاء القوم حب أصنامهم والمحاماة لها والانتصار ، كذلك زينا لكل أمة من الأمم الخالية على الضلال - عملهم الذي كانوا فيه ، ولله الحجة البالغة ، والحكمة التامة فيما يشاؤه ويختاره . ( ثم إلى ربهم مرجعهم ) أي:معادهم ومصيرهم ، ( فينبئهم بما كانوا يعملون ) أي:يجازيهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .