يقول تعالى إخبارا عن المشركين:إنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم ، أي:حلفوا أيمانا مؤكدة ( لئن جاءتهم آية ) أي:معجزة وخارق ، ( ليؤمنن بها ) أي:ليصدقنها ، ( قل إنما الآيات عند الله ) أي:قل يا محمد لهؤلاء الذين يسألونك الآيات تعنتا وكفرا وعنادا ، لا على سبيل الهدى والاسترشاد:إنما مرجع هذه الآيات إلى الله ، إن شاء أجابكم ، وإن شاء ترككم ، كما قال ، قال ابن جرير:
حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال:كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ، فقالوا:يا محمد ، تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى ، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة ، فأتنا من الآيات حتى نصدقك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أي شيء تحبون أن آتيكم به؟ "قالوا:تجعل لنا الصفا ذهبا . فقال لهم:"فإن فعلت تصدقوني؟ "قالوا:نعم ، والله لئن فعلت لنتبعك أجمعين . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ، فجاءه جبريل ، عليه السلام ، فقال له:لك ما شئت ، إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم ، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يتوب تائبهم "فأنزل الله:( وأقسموا بالله ) إلى قوله تعالى ( يجهلون ) .
وهذا مرسل وله شواهد من وجوه أخر . وقال الله تعالى:( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) [ الإسراء:59] .
وقوله تعالى:( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) قيل:المخاطب ب ( وما يشعركم ) المشركون ، وإليه ذهب مجاهد كأنه يقول لهم:وما يدريكم بصدقكم في هذه الأيمان التي تقسمون بها . وعلى هذا فالقراءة:"إنها إذا جاءت لا يؤمنون "بكسر "إنها "على استئناف الخبر عنهم بنفي الإيمان عند مجيء الآيات التي طلبوها ، وقراءة بعضهم:"أنها إذا جاءت لا تؤمنون "بالتاء المثناة من فوق .
وقيل:المخاطب بقوله:( وما يشعركم ) - المؤمنون ، أي:وما يدريكم أيها المؤمنون ، وعلى هذا فيجوز في ) إنها ) الكسر كالأول والفتح على أنه معمول ( يشعركم ) . وعلى هذا فتكون "لا "في قوله:( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) صلة كما في قوله:( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) [ الأعراف:12] ، وقوله ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) [ الأنبياء:95] . أي:ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ، وحرام أنهم يرجعون . وتقديره في هذه الآية:وما يدريكم - أيها المؤمنون الذين تودون لهم ذلك حرصا على إيمانهم - أنها إذا جاءتهم الآيات يؤمنون .
وقال بعضهم:"أنها "بمعنى لعلها .
قال ابن جرير:وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعب . قال:وقد ذكر عن العرب سماعا:"اذهب إلى السوق أنك تشتري لي شيئا "بمعنى:لعلك تشتري .
قال:وقد قيل:إن قول عدي بن زيد العبادي من هذا:
أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
وقد اختار هذا القول ابن جرير وذكر عليه شواهد من أشعار العرب والله تعالى أعلم .