{ فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل} الاعتصام الأخذ والتمسك بما يعصم ويحفظ ، مأخوذ من العصام وهو الحبل الذي تشد به القرابة والإداوة لتحمل به ، والأعصم الوعل يعتصم في شعاف الجبال وقننها ، فالذين يعتصمون بهذا القرآن يدخلهم الله في رحمة خاصة منه لا يدخل فيها سواهم ، وفضل خاص لا يتفضل به على غيرهم ويدل على هذا التخصيص تنكير الفضل والرحمة ، ورحمة الله وفضله غير محصورين ، ولكنه يختص من يشاء بما شاء من أنواعهما .وقد فسر الرحمة هنا بالجنة ، والفضل بما يزيد الله به أهلها على ما يستحقون من الجزاء ، كما قال في آية أخرى تقدمت{ ويزيدهم من فضله} ويمكن أن يفسرا بما هو أهم من نعيم الآخرة جزاء وزيادة ، فيشملا ما يكون لأهل الاعتصام بالقرآن الذي هو حبل الله المتين من الخصوصية في الدنيا ، إذ يكونون رحمة للناس بعلومهم وأعمالهم وفضائلهم ، واجتماعهم وتعاونهم وتراحمهم ، يرحم الناس الاقتداء بهم والاقتباس منهم ، ومن ذلك أنهم يكونون رحماء للناس ، تحملهم رحمتهم على السعي لخير الناس ، وبذل فضلهم من علم وعمل ومال لهم ، فيكونون أئمة للناس برحمتهم وفضلهم .
{ ويهديهم إليه صراطا مستقيما} أي ويهديهم تعالى هداية خاصة موصلة إليه صراطا مستقيما أي طريقا قويما قريبا يبلغون به الغاية من العمل بالقرآن ، أما في الدنيا فبالسيادة والعزة والكمال ، وأما في الآخرة فبالجنة والرضوان ، فهذا الصراط المستقيم لا يهتدى إليه إلا بالاعتصام بالقرآن الكريم ، فيا خسارة المعرضين ، ويا طوبى للمعتصمين ، وقد صدق وعد الله للصادقين ، ففاز من اعتصم من الأولين ، وخاب وخسر من أعرض من الآخرين ، فعسى أن يعتبر بذلك المنتمون في هذا العصر إلى هذا الدين .وقد سكت عن القسم الآخر المقابل لهؤلاء المؤمنين المعتصمين للعلم به من المقابلة ، وللإيذان بأنه بعد ظهور البرهان ،وتألق نور البيان ، لا ينبغي أن يوجد ، وإن وجد لا يؤبه له لأنه كالعدم .