وقوله:( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) قال عبد الله بن كثير ، والسدي:هذه امرأة خرقاء كانت بمكة ، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه .
وقال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد:هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده .
وهذا القول أرجح وأظهر ، وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا .
وقوله:( أنكاثا ) يحتمل أن يكون اسم مصدر ، نقضت غزلها أنكاثا ، أي:أنقاضا . ويحتمل أن يكون بدلا عن خبر كان ، أي:لا تكونوا أنكاثا ، جمع نكث من ناكث ; ولهذا قال بعده:( تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ) أي:خديعة ومكرا ، ( أن تكون أمة هي أربى من أمة ) أي:يحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم ، فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم . فنهى الله عن ذلك ؛ لينبه بالأدنى على الأعلى إذا كان قد نهى عن الغدر - والحالة هذه - فلأن ينهى عنه مع التمكن والقدرة بطريق الأولى .
وقد قدمنا - ولله الحمد - في سورة "الأنفال "قصة معاوية لما كان بينه وبين ملك الروم أمد ، فسار معاوية إليهم في آخر الأجل ، حتى إذا انقضى وهو قريب من بلادهم ، أغار عليهم وهم غارون لا يشعرون ، فقال له عمرو بن عبسة:الله أكبر يا معاوية وفاء لا غدرا ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"من كان بينه وبين قوم أجل فلا يحلن عقدة حتى ينقضي أمدها ". فرجع معاوية بالجيش - رضي الله عنه - وأرضاه .
قال ابن عباس:( أن تكون أمة هي أربى من أمة ) أي:أكثر .
وقال مجاهد:كانوا يحالفون الحلفاء ، فيجدون أكثر منهم وأعز ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز ، فنهوا عن ذلك . وقال الضحاك ، وقتادة ، وابن زيد نحوه .
وقوله:( إنما يبلوكم الله به ) قال سعيد بن جبير:يعني بالكثرة ، رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير:أي:بأمره إياكم بالوفاء والعهد .
( وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) فيجازي كل عامل بعمله ، من خير وشر .