{أَنكَاثاً}: النكث: النقض ،وكل شيء نقض بعد الفتل فهو إنكاث ،حبلاً كان أو غزلاً .
{دَخَلاً}: الدخل: كل ما دخل الشيء وليس منه .
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} ،من يبرم العهد ويؤكده على نفسه أمام الله للآخرين ،ليثقوا في حصول ما عاهدهم عليه ،ثم ينقضه ،كحال المرأة الحمقاء التي كانت تجهد نفسها بغزل الصوف ثم تنقضه بعد ذلك من بعد قوة وتنكثه ،وهي كما نقل عن الكلبي ،امرأة من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار، ثم تأمرهن أن ينقضن غزلهن ،ولا يزال ذلك دأبها ،وكانت تسمى خرقاء مكة ،{تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ} ،أي: تتخذون أيمانكم أداة لخداع الناس وخيانتهم ،حيث توحون لهم من خلال الأيمان المغلظة ،أنكم سوف تقومون بطريقةٍ لا تقبل الشك بما حلفتم عليه ،حتى إذا ما وثقوا بكم وحصلتم على ما تريدون ،نقضتم كل ما أبرمتموه ،ونكثتم بكل ما عاهدتم عليه .{أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} ،وغرضكم من ذلك الحصول على زيادة تتميزون بها عن الآخرين ،في مالٍ أو فرصةٍ أو جاهٍ ،ونحو ذلك مما يتسابق الناس إليه ويتصارعون من أجل التفاضل فيه بأساليب الخداع والغش والخيانة ،{إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ} ،فهو وسيلة من وسائل الاختبار الإلهي ،حيث يضعكم الله أمام التجربة الحاسمة التي تتيح لكم فرصة الاستقامة مع قدرتكم على الانحراف ،الأمر الذي يمكن أن يكشف صدق أيمانكم أو كذبها ،حتى إذا ما اندفعتم وراء رغبة الحصول على مطمع أو شهوةٍ أو نحو ذلك ،واستسلمتم لتسويلات الشيطان التي تدعوكم إلى استغلال الفرص السانحة للإيقاع بالناس وخداعهم للوصول إلى ما تريدون ،سقطتم في الامتحان ،{وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} ،من خيرٍ أو شر ،فتعرفونهناككيف تتحول الفرصة إلى غصّة ،وكيف يكون التمرد على الله تدميراً لمصير الإنسان نفسه في الآخرة ،وكيف تتحول الشهوات التي كانت في الدنيا تحرق الأعصاب لتدفعها إلى المعصية ،إلى لهب يحرق الجسد في الآخرة .ويتضح لكم كل ذلك ،بعد أن حاولتم الهروب منه ،بالتهرب من مواجهة الحقيقة التي تدعوكم رسالات الله لمعرفتها .