هذا أمر من الله عز وجل للرجال إذا طلق أحدهم المرأة طلاقا له عليها فيه رجعة ، أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها ، ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها ، فإما أن يمسكها ، أي:يرتجعها إلى عصمة نكاحه بمعروف ، وهو أن يشهد على رجعتها ، وينوي عشرتها بالمعروف ، أو يسرحها ، أي:يتركها حتى تنقضي عدتها ، ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن ، من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح ، قال الله تعالى:( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، ومسروق ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع ، ومقاتل بن حيان وغير واحد:كان الرجل يطلق المرأة ، فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضرارا ، لئلا تذهب إلى غيره ، ثم يطلقها فتعتد ، فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة ، فنهاهم الله عن ذلك ، وتوعدهم عليه فقال:( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) أي:بمخالفته أمر الله تعالى .
وقوله:( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) قال ابن جرير:عند هذه الآية:
أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إسحاق بن منصور ، عن عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن أبي العلاء الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي موسى:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على الأشعريين ، فأتاه أبو موسى فقال:يا رسول الله ، أغضبت على الأشعريين ؟ ! فقال:يقول أحدكم:قد طلقت ، قد راجعت ، ليس هذا طلاق المسلمين ، طلقوا المرأة في قبل عدتها ".
ثم رواه من وجه آخر عن أبي خالد الدالاني ، وهو يزيد بن عبد الرحمن ، وفيه كلام .
وقال مسروق:هو الذي يطلق في غير كنهه ، ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها ، لتطول عليها العدة .
وقال الحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، والربيع ، ومقاتل بن حيان:هو الرجل يطلق ويقول:كنت لاعبا أو يعتق أو ينكح ويقول:كنت لاعبا . فأنزل الله:( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) فألزم الله بذلك .
وقال ابن مردويه:حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو أحمد الصيرفي ، حدثني جعفر بن محمد السمسار ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال:طلق رجل امرأته وهو يلعب ، لا يريد الطلاق ; فأنزل الله:( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا عصام بن زواد ، حدثنا آدم ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، هو البصري ، قال:كان الرجل يطلق ويقول:كنت لاعبا أو يعتق ويقول:كنت لاعبا وينكح ويقول:كنت لاعبا فأنزل الله:( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح ، جادا أو لاعبا ، فقد جاز عليه ".
وكذا رواه ابن جرير من طريق الزهري ، عن سليمان بن أرقم ، عن الحسن ، مثله . وهذا مرسل . وقد رواه ابن مردويه من طريق عمرو بن عبيد ، عن الحسن ، عن أبي الدرداء ، موقوفا عليه . وقال أيضا:
حدثنا أحمد بن الحسن بن أيوب ، حدثنا يعقوب بن أبي يعقوب ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سلمة ، عن الحسن ، عن عبادة بن الصامت ، في قول الله تعالى:( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) قال:كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقول للرجل:زوجتك ابنتي ثم يقول:كنت لاعبا . ويقول:قد أعتقت ، ويقول:كنت لاعبا فأنزل الله:( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب ، فهن جائزات عليه:الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ".
والمشهور في هذا الحديث الذي رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن حبيب بن أردك ، عن عطاء ، عن ابن ماهك ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد:النكاح ، والطلاق ، والرجعة ". وقال الترمذي:حسن غريب .
وقوله:( واذكروا نعمة الله عليكم ) أي:في إرساله الرسول بالهدى والبينات إليكم ( وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة ) أي:السنة ( يعظكم به ) أي:يأمركم وينهاكم ويتوعدكم على ارتكاب المحارم ( واتقوا الله ) أي:فيما تأتون وفيما تذرون ( واعلموا أن الله بكل شيء عليم ) أي:فلا يخفى عليه شيء من أموركم السرية والجهرية ، وسيجازيكم على ذلك .