قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين ، فتنقضي عدتها ، ثم يبدو له أن يتزوجها وأن يراجعها ، وتريد المرأة ذلك ، فيمنعها أولياؤها من ذلك ، فنهى الله أن يمنعوها . وكذا روى العوفي ، عنه ، وكذا قال مسروق ، وإبراهيم النخعي ، والزهري والضحاك إنها أنزلت في ذلك . وهذا الذي قالوه ظاهر من الآية ، وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها ، وأنه لا بد في تزويجها من ولي ، كما قاله الترمذي وابن جرير عند هذه الآية ، كما جاء في الحديث:لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها . وفي الأثر الآخر:لا نكاح إلا بولي مرشد ، وشاهدي عدل . وفي هذه المسألة نزاع بين العلماء محرر في موضعه من كتب الفروع ، وقد قررنا ذلك في كتاب "الأحكام "، ولله الحمد والمنة .
وقد روي أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار المزني وأخته ، فقال البخاري ، رحمه الله ، في كتابه الصحيح عند تفسير هذه الآية:
حدثنا عبيد الله بن سعيد ، حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا عباد بن راشد ، حدثنا الحسن قال:حدثني معقل بن يسار قال:كانت لي أخت تخطب إلي قال البخاري:وقال إبراهيم ، عن يونس ، عن الحسن:حدثني معقل بن يسار . وحدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا يونس ، عن الحسن:أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها ، فتركها حتى انقضت عدتها ، فخطبها ، فأبى معقل ،
فنزلت:( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) .
وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وابن مردويه من طرق متعددة ، عن الحسن ، عن معقل بن يسار ، به . وصححه الترمذي أيضا ، ولفظه عن معقل بن يسار:أنه زوج أخته رجلا من المسلمين ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت عنده ما كانت ، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ، ثم خطبها مع الخطاب ، فقال له:يا لكع أكرمتك بها وزوجتكها ، فطلقتها ! والله لا ترجع إليك أبدا ، آخر ما عليك . قال:فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها ، فأنزل الله:( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) إلى قوله:( وأنتم لا تعلمون ) فلما سمعها معقل قال:سمع لربي وطاعة ثم دعاه ، فقال:أزوجك وأكرمك ، زاد ابن مردويه:وكفرت عن يميني .
وروى ابن جرير عن ابن جريج قال:هي جمل بنت يسار كانت تحت أبي البداح ، وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق السبيعي قال:هي فاطمة بنت يسار . وهكذا ذكر غير واحد من السلف:أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار وأخته . وقال السدي:نزلت في جابر بن عبد الله ، وابنة عم له ، والصحيح الأول ، والله أعلم .
وقوله:( ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ) أي:هذا الذي نهيناكم عنه من منع الولايا أن يتزوجن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ، يأتمر به ويتعظ به وينفعل له ( من كان منكم ) أيها الناس ( يؤمن بالله واليوم الآخر ) أي:يؤمن بشرع الله ، ويخاف وعيد الله وعذابه في الدار الآخرة وما فيها من الجزاء ( ذلكم أزكى لكم وأطهر ) أي:اتباعكم شرع الله في رد الموليات إلى أزواجهن ، وترك الحمية في ذلك ، أزكى لكم وأطهر لقلوبكم ( والله يعلم ) أي:من المصالح فيما يأمر به وينهى عنه ( وأنتم لا تعلمون ) أي:الخيرة فيما تأتون ولا فيما تذرون .