وقوله تعالى:( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره أي:أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين ، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ، أي:حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح ، فلو وطئها واطئ في غير نكاح ، ولو في ملك اليمين لم تحل للأول ; لأنه ليس بزوج ، وهكذا لو تزوجت ، ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول ، واشتهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب ، رحمه الله ، أنه يقول:يحصل المقصود من تحليلها للأول بمجرد العقد على الثاني . وفي صحته عنه نظر ، على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البر قد حكاه عنه في الاستذكار ، فالله أعلم .
وقد قال أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله:حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سالم بن رزين ، عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة ، فيتزوجها زوج آخر فيطلقها ، قبل أن يدخل بها:أترجع إلى الأول ؟ قال:"لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها ".
هكذا وقع في رواية ابن جرير ، وقد رواه الإمام أحمد فقال:
حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، سمعت سالم بن رزين يحدث عن سالم بن عبد الله ، يعني:ابن عمر ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:في الرجل تكون له المرأة فيطلقها ، ثم يتزوجها رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها ، فترجع إلى زوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حتى يذوق العسيلة ".
وهكذا رواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، وابن ماجه عن محمد بن بشار بندار كلاهما عن محمد بن جعفر غندر ، عن شعبة ، به كذلك . فهذا من رواية سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا ، على خلاف ما يحكى عنه ، فبعيد أن يخالف ما رواه بغير مستند ، والله أعلم .
وقد روى أحمد أيضا ، والنسائي ، وابن جرير هذا الحديث من طريق سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن رزين بن سليمان الأحمري ، عن ابن عمر قال:سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر ، فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها ، قبل أن يدخل بها:هل تحل للأول ؟ قال:"لا حتى يذوق العسيلة ".
وهذا لفظ أحمد ، وفي رواية لأحمد:سليمان بن رزين .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا محمد بن دينار ، حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي ، عن أنس بن مالك:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن يدخل بها:أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته ".
ورواه ابن جرير ، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي ، عن هشام بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن دينار ، فذكره .
قلت:ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري ، ويقال له:ابن أبي الفرات:اختلفوا فيه ، فمنهم من ضعفه ، ومنهم من قواه وقبله وحسن له . وقال أبو داود:أنه تغير قبل موته ، فالله أعلم .
حديث آخر:قال ابن جرير:حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني ، حدثنا أبي ، حدثنا شيبان ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي الحارث الغفاري عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج زوجا غيره ، فيطلقها قبل أن يدخل بها ، فيريد الأول أن يراجعها ، قال:"لا حتى يذوق الآخر عسيلتها ".
ثم رواه من وجه آخر عن شيبان ، وهو ابن عبد الرحمن ، به . وأبو الحارث غير معروف .
حديث آخر:قال ابن جرير:
حدثنا ابن مثنى ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثنا القاسم ، عن عائشة:أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ، فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يمسها ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:أتحل للأول ؟ فقال:"لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول ".
أخرجه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، من طرق ، عن عبيد الله بن عمر العمري ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن عمته عائشة ، به .
طريق أخرى:قال ابن جرير:
حدثنا عبيد الله بن إسماعيل الهباري ، وسفيان بن وكيع ، وأبو هشام الرفاعي قالوا:حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ، فتزوجت رجلا غيره ، فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها:أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته ".
وكذا رواه أبو داود عن مسدد ، والنسائي عن أبي كريب ، كلاهما عن أبي معاوية ، وهو محمد بن خازم الضرير ، به .
طريق أخرى:قال مسلم في صحيحه:
حدثنا محمد بن العلاء الهمداني ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة يتزوجها الرجل فيطلقها ، فتتزوج رجلا فيطلقها قبل أن يدخل بها:أتحل لزوجها الأول ؟ قال:"لا حتى يذوق عسيلتها ".
قال مسلم:وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا ابن فضيل:وحدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو معاوية جميعا ، عن هشام بهذا الإسناد .
وقد رواه البخاري من طريق أبي معاوية محمد بن حازم ، عن هشام به . وتفرد به مسلم من الوجهين الآخرين . وهكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الله بن المبارك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مرفوعا بنحوه أو مثله . وهذا إسناد جيد . وكذا رواه ابن جرير أيضا ، من طريق علي بن زيد بن جدعان ، عن امرأة أبيه أمينة أم محمد عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله . وهذا السياق مختصر من الحديث الذي رواه البخاري:حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، عن هشام ، حدثني أبي ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة:أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها ، فتزوجت آخر فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له أنه لا يأتيها ، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فقال:"لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ".
تفرد به من هذين الوجهين .
طريق أخرى:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت:دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:إن رفاعة طلقني البتة ، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني ، وإنما عنده مثل الهدبة ، وأخذت هدبة من جلبابها ، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له ، فقال:يا أبا بكر ، ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ".
وهكذا رواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك ، ومسلم من حديث عبد الرزاق ، والنسائي من حديث يزيد بن زريع ، ثلاثتهم عن معمر به . وفي حديث عبد الرزاق عند مسلم:أن رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات . وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طريق سفيان بن عيينة ، والبخاري من طريق عقيل ، ومسلم من طريق يونس بن يزيد [ وعنده ثلاث تطليقات ، والنسائي من طريق أيوب بن موسى ، ورواه صالح بن أبي الأخضر] كلهم عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، به .
وقال مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير:أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير ، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ، ففارقها ، فأراد رفاعة أن ينكحها ، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاه عن تزويجها ، وقال:"لا تحل لك حتى تذوق العسيلة "كذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك وفيه انقطاع . وقد رواه إبراهيم بن طهمان ، وعبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن رفاعة ، عن الزبير بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، فوصله .
فصل
والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة ، قاصدا لدوام عشرتها ، كما هو المشروع من التزويج ، واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطئا مباحا ، فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض أو نفساء أو والزوج صائم أو محرم أو معتكف ، لم تحل للأول بهذا الوطء . وكذا لو كان الزوج الثاني ذميا لم تحل للمسلم بنكاحه ; لأن أنكحة الكفار باطلة عنده . واشترط الحسن البصري فيما حكاه عنه الشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ينزل الزوج الثاني ، وكأنه تمسك بما فهمه من قوله عليه السلام:"حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "، ويلزم على هذا أن تنزل المرأة أيضا . وليس المراد بالعسيلة المني لما رواه الإمام أحمد والنسائي ، عن عائشة رضي الله عنها:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا إن العسيلة الجماع "فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول ، فهذا هو المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه ، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة .
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك
الحديث الأول:عن ابن مسعود . قال الإمام أحمد:
حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان ، عن أبي قيس ، عن الهذيل ، عن عبد الله قال:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة ، والواصلة والمستوصلة ، والمحلل والمحلل له ، وآكل الربا وموكله .
ثم رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي من غير وجه ، عن سفيان ، وهو الثوري ، عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي ، عن هزيل بن شرحبيل الأودي ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم به . ثم قال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح . قال:والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة ، منهم:عمر ، وعثمان ، وابن عمر . وهو قول الفقهاء من التابعين ، ويروى ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وابن عباس .
طريق أخرى:عن ابن مسعود . قال الإمام أحمد:حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله ، عن عبد الكريم ، عن أبي الواصل ، عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله المحلل والمحلل له ".
طريق أخرى:روى الإمام أحمد ، والنسائي ، من حديث الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن الحارث الأعور ، عن عبد الله بن مسعود قال:آكل الربا وموكله ، وشاهداه وكاتبه إذا علموا به ، والواصلة ، والمستوصلة ، ولاوي الصدقة ، والمتعدي فيها ، والمرتد على عقبيه إعراضا بعد هجرته ، والمحلل والمحلل له ، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
الحديث الثاني:عن علي رضي الله عنه . قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن جابر [ وهو ابن يزيد الجعفي] عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي قال:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله ، وشاهديه وكاتبه ، والواشمة والمستوشمة للحسن ، ومانع الصدقة ، والمحلل ، والمحلل له ، وكان ينهى عن النوح .
وكذا رواه عن غندر ، عن شعبة ، عن جابر ، وهو ابن يزيد الجعفي ، عن الشعبي عن الحارث ، عن علي ، به .
وكذا رواه من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، وحصين بن عبد الرحمن ، ومجالد بن سعيد ، وابن عون ، عن عامر الشعبي ، به .
وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث الشعبي ، به . ثم قال أحمد:
حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الربا ، وآكله ، وكاتبه ، وشاهده ، والمحلل ، والمحلل له .
الحديث الثالث:عن جابر:قال الترمذي:
حدثنا أبو سعيد الأشج ، أخبرنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد اليامي ، حدثنا مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله وعن الحارث ، عن علي:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له ثم قال:وليس إسناده بالقائم ، ومجالد ضعفه غير واحد من أهل العلم ، منهم أحمد بن حنبل . قال:ورواه ابن نمير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله ، عن علي . قال:وهذا وهم من ابن نمير ، والحديث الأول أصح .
الحديث الرابع:عن عقبة بن عامر:قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه:
حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري ، حدثنا أبي ، سمعت الليث بن سعد يقول:قال أبو مصعب مشرح هو:ابن عاهان ، قال عقبة بن عامر:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ "قالوا:بلى يا رسول الله . قال:"هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له ".
تفرد به ابن ماجه . وكذا رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، عن عثمان بن صالح ، عن الليث ، به ، ثم قال:كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث إنكارا شديدا .
قلت:عثمان هذا أحد الثقات ، روى عنه البخاري في صحيحه . ثم قد تابعه غيره ، فرواه جعفر الفريابي عن العباس المعروف بابن فريق عن أبي صالح عبد الله بن صالح ، عن الليث به ، فبرئ من عهدته والله أعلم .
الحديث الخامس:عن ابن عباس . قال ابن ماجه:
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عامر ، عن زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .
طريق أخرى:قال الإمام الحافظ خطيب دمشق أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي:حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحلل قال:"لا إلا نكاح رغبة ، لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ، ثم يذوق عسيلتها ".
ويتقوى هذان الإسنادان بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن موسى بن أبي الفرات ، عن عمرو بن دينار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا فيتقوى كل من هذا المرسل والذي قبله بالآخر ، والله أعلم .
الحديث السادس:عن أبي هريرة . قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو عامر ، حدثنا عبد الله ، هو ابن جعفر ، عن عثمان بن محمد المقبري ، عن أبي هريرة قال:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .
وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، والجوزجاني ، والبيهقي ، من طريق عبد الله بن جعفر القرشي . وقد وثقه أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين وغيرهم . وأخرج له مسلم في صحيحه ، عن عثمان بن محمد الأخنسي وثقه ابن معين عن سعيد المقبري ، وهو متفق عليه .
الحديث السابع:عن ابن عمر . قال الحاكم في مستدركه:
حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف المدني ، عن عمر بن نافع ، عن أبيه أنه قال:جاء رجل إلى ابن عمر ، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا ، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ، ليحلها لأخيه:هل تحل للأول ؟ فقال:لا إلا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال:هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقد رواه الثوري ، عن عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، به . وهذه الصيغة مشعرة بالرفع . وهكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة ، والجوزجاني ، وحرب الكرماني ، وأبو بكر الأثرم ، من حديث الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن قبيصة بن جابر ، عن عمر أنه قال:لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .
وروى البيهقي من حديث ابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار:أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها ، ففرق بينهما . وكذا روي عن علي ، وابن عباس ، وغير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم .
وقوله:فإن طلقها أي:الزوج الثاني بعد الدخول بها فلا جناح عليهما أن يتراجعا أي:المرأة والزوج الأول إن ظنا أن يقيما حدود الله أي:يتعاشرا بالمعروف [ وقال مجاهد:إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة] وتلك حدود الله أي:شرائعه وأحكامه ( يبينها ) أي:يوضحها لقوم يعلمون
وقد اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، فيما إذا طلق الرجل امرأته طلقة أو طلقتين ، وتركها حتى انقضت عدتها ، ثم تزوجت بآخر فدخل بها ، ثم طلقها فانقضت عدتها ، ثم تزوجها الأول:هل تعود إليه بما بقي من الثلاث ، كما هو مذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وهو قول طائفة من الصحابة ، رضي الله عنهم ؟ أو يكون الزوج الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق ، فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث ، كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله ؟ وحجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلأن يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى ، والله أعلم .