فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره
القول في تأويل قوله تعالى:{ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} اختلف أهل التأويل فيما دل عليه هذا القول من الله تعالى ذكره ; فقال بعضهم:دل على أنه إن طلق الرجل امرأته التطليقة الثالثة بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما:{ الطلاق مرتان} فإن امرأته تلك لا تحل له بعد التطليقة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره , يعني به غير المطلق . ذكر من قال ذلك:3856 - حدثنا بشر بن معاذ , قال:ثنا يزيد بن زريع , قال:ثنا سعيد , عن قتادة , قال:جعل الله الطلاق ثلاثا , فإذا طلقها واحدة فهو أحق بها ما لم تنقض العدة , وعدتها ثلاث حيض , فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها فقد بانت منه , وصارت أحق بنفسها , وصار خاطبا من الخطاب , فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر حيضتها , حتى إذا طهرت طلقها تطليقة في قبل عدتها عند شاهدي عدل , فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدتها , وإن تركها حتى تنقضي عدتها فقد بانت منه بواحدة , وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدتها نظر حيضتها , حتى إذا طهرت طلقها تطليقة أخرى في قبل عدتها , فإن بدا له مراجعتها راجعها , فكانت عنده على واحدة , وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها , فهذه الثالثة التي قال الله تعالى ذكره:{ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} 3857 - حدثني المثنى , قال:ثنا عبد الله بن صالح , قال:ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله:{ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} يقول:إن طلقها ثلاثا , فلا تحل حتى تنكح زوجا غيره . 3858 - حدثنا القاسم , قال:ثنا الحسين , قال:ثنا هشيم , قال:أخبرنا جويبر , عن الضحاك , قال:إذا طلق واحدة أو ثنتين فله الرجعة ما لم تنقض العدة , قال:والثالثة قوله:{ فإن طلقها} يعني بالثالثة فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره . * حدثنا يحيى بن أبي طالب , قال:ثنا يزيد , قال:أخبرنا جويبر , عن الضحاك , بنحوه . 3859 - حدثني موسى بن هارون , قال:ثنا عمرو , قال:ثنا أسباط , عن السدي:{ فإن طلقها} بعد التطليقتين فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره , وهذه الثالثة وقال آخرون:بل دل هذا القول على ما يلزم مسرح امرأته بإحسان بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما:{ الطلاق مرتان} قالوا:وإنما بين الله تعالى ذكره بهذا القول عن حكم قوله:{ أو تسريح بإحسان} وأعلم أنه إن سرح الرجل امرأته بعد التطليقتين فلا تحل له المسرحة كذلك إلا بعد زوج . ذكر من قال ذلك:3860 - حدثني محمد بن عمرو , قال:ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد:{ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غير} قال:عاد إلى قوله:{ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} . * حدثني المثنى , قال:ثنا أبو حذيفة , قال:ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . قال أبو جعفر:والذي قاله مجاهد في ذلك عندنا أولى بالصواب للذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي رويناه عنه أنه قال:أو سئل فقيل:هذا قول الله تعالى ذكره:{ الطلاق مرتان} فأين الثالثة ؟ قال:"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ". فأخبر صلى الله عليه وسلم , أن الثالثة إنما هي قوله:{ أو تسريح بإحسان} فإذ كان التسريح بالإحسان هو الثالثة , فمعلوم أن قوله:{ فإن طلقها فلا تحل لا من بعد حتى تنكح زوجا غيره} من الدلالة على التطليقة الثالثة بمعزل , وأنه إنما هو بيان عن الذي يحل للمسرح بالإحسان إن سرح زوجته بعد التطليقتين , والذي يحرم عليه منها , والحال التي يجوز له نكاحها فيها , وإعلام عباده أن بعد التسريح على ما وصفت لا رجعة للرجل على امرأته . فإن قال قائل:فأي النكاحين عنى الله بقوله:{ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} النكاح الذي هو جماع أم النكاح الذي هو عقد تزويج ؟ قيل:كلاهما , وذلك أن المرأة إذا نكحت رجلا نكاح تزويج لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها ولم يجامعها حتى يطلقها لم تحل للأول , وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح لم تحل للأول بإجماع الأمة جميعا . فإذ كان ذلك كذلك , فمعلوم أن تأويل قوله:{ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} نكاحا صحيحا , ثم يجامعها فيه , ثم يطلقها . فإن قال:فإن ذكر الجماع غير موجود في كتاب الله تعالى ذكره , فما الدلالة على أن معناه ما قلت ؟ قيل:الدلالة على ذلك إجماع الأمة جميعا على أن ذلك معناه . وبعد , فإن الله تعالى ذكره قال:{ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فلو نكحت زوجا غيره بعقب , الطلاق قبل انقضاء عدتها , كان لا شك أنها ناكحة نكاحا بغير المعنى الذي أباح الله تعالى ذكره لها ذلك به , وإن لم يكن ذكر العدة مقرونا بقوله:{ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} لدلالته على أن ذلك كذلك بقوله:{ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ; وكذلك قوله:{ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وإن لم يكن مقرونا به ذكر الجماع والمباشرة والإفضاء فقد دل على أن ذلك كذلك بوحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه ذلك على لسانه لعباده . ذكر الأخبار المروية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:3861 - حدثني عبيد الله بن إسماعيل الهباري , وسفيان بن وكيع , وأبو هشام الرفاعي , قالوا:ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن الأسود , عن عائشة , قالت:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت رجلا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها , أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته ". * حدثني المثنى , قال:ثنا سويد بن نصر , قال:أخبرنا ابن المبارك , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , نحوه . 3862 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال:ثنا ابن عيينة , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة , قال:سمعتها تقول:جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت:كنت عند رفاعة فطلقني , فبت طلاقي , فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير , وإن ما معه مثل هدبة الثوب , فقال لها:"تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا , حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ". * حدثني المثنى , قال:ثنا أبو صالح , قال:ثني الليث , قال:ثني يونس , عن ابن شهاب , عن عروة , عن عائشة , نحوه . * حدثني المثنى , قال:ثنا عبد الله بن صالح , قال:ثني الليث , قال:ثني عقيل , عن ابن شهاب , قال:ثنى عروة بن الزبير , أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن امرأة رفاعة القرظي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:يا رسول الله , فذكر مثله . 3863 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال:أخبرنا عبد الرزاق , قال:أخبرنا معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته , فبت طلاقها , فتزوجها بعد عبد الرحمن بن الزبير , فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:يا نبي الله إنها كانت عند رفاعة , فطلقها آخر ثلاث تطليقات , فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير , وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال لها:"لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا , حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "قالت:وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص بباب الحجرة لم يؤذن له , فطفق خالد ينادي يا أبا بكر يقول:يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ . 3864 - حدثنا محمد بن يزيد الأودي , قال:ثنا يحيى بن سليم , عن عبيد الله , عن القاسم , عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق الأول ". * حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال:ثنا معتمر بن سليمان , قال:سمعت عبيد الله , قال:سمعت القاسم يحدث عن عائشة , قال:قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق صاحبه ". * حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا يحيى , عن عبيد الله , قال:ثنا القاسم , عن عائشة , أن رجلا طلق امرأته ثلاثا , فتزوجت زوجا , فطلقها قبل أن يمسها , فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:أتحل للأول ؟ قال:"لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول ". 3865 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال:ثنا موسى بن عيسى الليثي , عن زائدة , عن علي بن زيد , عن أم محمد , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال:"إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره , فيذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه ". 3866 - حدثني العباس بن أبي طالب , قال:أخبرنا سعيد بن حفص الطلحي , قال:أخبرنا شيبان , عن يحيى , عن أبي الحارث الغفاري , عن أبي هريرة , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال:"وحتى يذوق عسيلتها ". 3867 - حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني , قال:ثني أبي , قال:ثنا شيبان , قال:ثنا يحيى بن أبي كثير , عن أبي الحارث الغفاري , عن أبي هريرة , قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا , فتتزوج غيره , فيطلقها قبل أن يدخل بها , فيريد الأول أن يراجعها , قال:"لا , حتى يذوق عسيلتها ". 3868 - حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي , قال:ثنا هشام بن عبد الملك , قال:ثنا محمد بن دينار , قال:حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي , عن أنس بن مالك , عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل طلق امرأته ثلاثا , فتزوجها آخر فطلقها قبل أن يدخل بها , أترجع إلى زوجها الأول ؟ قال:"لا , حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته ". 3869 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , ويعقوب بن ماهان , قالا:ثنا هشيم , قال:أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق , عن سليمان بن يسار , عن عبيد الله بن العباس:أن الغميصاء أو الرميصاء جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها , وتزعم أنه لا يصل إليها , قال:فما كان إلا يسيرا حتى جاء زوجها , فزعم أنها كاذبة , ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره ". 3870 - حدثنا محمد بن بشار , قال:ثنا محمد بن جعفر , قال:ثنا شعبة , عن علقمة بن مرثد , عن سالم بن رزين الأحمري , عن سالم بن عبد الله , عن سعيد بن المسيب , عن ابن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة , فتتزوج زوجا آخر , فيطلقها قبل أن يدخل بها , أترجع إلى الأول ؟ قال:"لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها ". * حدثنا ابن بشار , قال:ثنا عبد الرحمن , قال:ثنا سفيان , عن علقمة بن مرثد , عن رزين الأحمري , عن ابن عمر , عن النبي أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا , فيتزوجها رجل , فأغلق الباب , فطلقها قبل أن يدخل بها , أترجع إلى زوجها الآخر ؟ قال:"لا حتى يذوق عسيلتها ". * حدثنا ابن بشار , قال:ثنا أبو أحمد , قال:ثنا سفيان , عن علقمة بن مرثد , عن سليمان بن رزين , عن ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب عن رجل طلق امرأته , فتزوجت بعده , ثم طلقها أو مات عنها , أيتزوجها الأول ؟ قال:"لا حتى تذوق عسيلته ".فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله
القول في تأويل قوله تعالى:{ فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} يعني تعالى ذكره بقوله:{ فإن طلقها} فإن طلق المرأة التي بانت من زوجها بآخر التطليقات الثلاث بعد ما نكحها مطلقها الثاني , زوجها الذي نكحها بعد بينونتها من الأول ;{ فلا جناح عليهما} يقول تعالى ذكره:فلا حرج على المرأة التي طلقها هذا الثاني من بعد بينونتها من الأول , وبعد نكاحه إياها , وعلى الزوج الأول الذي كانت حرمت عليه ببينونتها منه بآخر التطليقات أن يتراجعا بنكاح جديد . كما:3871 - حدثني المثنى , قال:ثنا عبد الله بن صالح , قال:ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:{ فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} يقول:إذا تزوجت بعد الأول , فدخل الآخر بها , فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها , فقد حلت له . 3872 - حدثنا القاسم , قال:ثنا الحسين , قال:ثنا هشام , قال:أخبرنا جويبر , عن الضحاك , قال:إذا طلق واحدة أو ثنتين , فله الرجعة ما لم تنقض العدة . قال:والثالثة قوله:{ فإن طلقها} يعني الثالثة فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره , فيدخل بها , فإن طلقها هذا الأخير بعد ما يدخل بها , فلا جناح عليهما أن يتراجعا - يعني الأول - إن ظنا أن يقيما حدود الله . وأما قوله:{ إن ظنا أن يقيما حدود الله} فإن معناه:إن رجوا مطمعا أن يقيما حدود الله . وإقامتهما حدود الله:العمل بها , وحدود الله:ما أمرهما به , وأوجب بكل واحد منهما على صاحبه , وألزم كل واحد منهما بسبب النكاح الذي يكون بينهما . وقد بينا معنى الحدود ومعنى إقامة ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وكان مجاهد يقول في تأويل قوله:{ إن ظنا أن يقيما حدود الله} ما:3873 - حدثني به محمد بن عمرو , قال:ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله:{ إن ظنا أن يقيما حدود الله} إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة . * حدثني المثنى , قال:ثنا أبو حذيفة , قال:ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . وقد وجه بعض أهل التأويل قوله{ إن ظنا} إلى أنه بمعنى:إن أيقنا . وذلك ما لا وجه له , لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله تعالى ذكره . فإذ كان ذلك كذلك , فما المعنى الذي به يوقن الرجل والمرأة أنهما إذا تراجعا أقاما حدود الله ؟ ولكن معنى ذلك كما قال تعالى ذكره:{ إذ ظنا} بمعنى طمعا بذلك ورجواه ; "وأن "التي في قوله{ أن يقيما} في موضع نصب ب "ظنا ",و "أن "التي في{ أن يتراجعا} جعلها بعض أهل العربية في موضع نصب بفقد الخافض , لأن معنى الكلام:فلا جناح عليهما في أن يتراجعا , فلما حذفت "في "التي كانت تخفضها نصبها , فكأنه قال:فلا جناح عليهما تراجعهما . وكان بعضهم يقول:موضعه خفض , وإن لم يكن معها خافضها , وإن كان محذوفا فمعروف موضعه .وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون
القول في تأويل قوله تعالى:{ وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} يعني تعالى ذكره بقوله:{ وتلك حدود الله} هذه الأمور التي بينها لعباده في الطلاق والرجعة والفدية والعدة والإيلاء وغير ذلك مما يبينه لهم في هذه الآيات , حدود الله معالم فصول حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته ,{ يبينها}:يفصلها , فيميز بينها , ويعرفهم أحكامها لقوم يعلمونها إذا بينها الله لهم , فيعرفون أنها من عند الله , فيصدقون بها , ويعملون بما أودعهم الله من علمه , دون الذين قد طبع الله على قلوبهم , وقضى عليهم أنهم لا يؤمنون بها , ولا يصدقون بأنها من عند الله , فهم يجهلون أنها من الله , وأنها تنزيل من حكيم حميد . ولذلك خص القوم الذي يعلمون بالبيان دون الذين يجهلون , إذ كان الذين يجهلون أنها من عنده قد آيس نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من تصديق كثير منهم بها , وإن كان بينها لهم من وجه الحجة عليهم ولزوم العمل لهم بها , وإنما أخرجها من أن تكون بيانا لهم من وجه تركهم الإقرار والتصديق به .