ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام ، أسبابا ، منها:أنه لما قال لنمروذ:( ربي الذي يحيي ويميت ) أحب أن يترقى من علم اليقين في ذلك إلى عين اليقين ، وأن يرى ذلك مشاهدة فقال:( رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )
فأما الحديث الذي رواه البخاري عند هذه الآية:حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة وسعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نحن أحق بالشك من إبراهيم ، إذ قال:رب أرني كيف تحيي الموتى ؟ قال:أولم تؤمن . قال:بلى ، ولكن ليطمئن قلبي "وكذا رواه مسلم ، عن حرملة بن يحيى ، عن ابن وهب به فليس المراد هاهنا بالشك ما قد يفهمه من لا علم عنده ، بلا خلاف . وقد أجيب عن هذا الحديث بأجوبة ، أحدها . . . .
وقوله:( قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ) اختلف المفسرون في هذه الأربعة:ما هي ؟ وإن كان لا طائل تحت تعيينها ، إذ لو كان في ذلك متهم لنص عليه القرآن ، فروي عن ابن عباس أنه قال:هي الغرنوق ، والطاوس ، والديك ، والحمامة . وعنه أيضا:أنه أخذ وزا ، ورألا وهو فرخ النعام وديكا ، وطاوسا . وقال مجاهد وعكرمة:كانت حمامة ، وديكا ، وطاوسا ، وغرابا .
وقوله:( فصرهن إليك ) أي:قطعهن . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبو مالك ، وأبو الأسود الدؤلي ، ووهب بن منبه ، والحسن ، والسدي ، وغيرهم .
وقال العوفي ، عن ابن عباس:( فصرهن إليك ) أوثقهن ، فلما أوثقهن ذبحهن ، ثم جعل على كل جبل منهن جزءا ، فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن ، ثم قطعهن ونتف ريشهن ، ومزقهن وخلط بعضهن في بعض ، ثم جزأهن أجزاء ، وجعل على كل جبل منهن جزءا ، قيل:أربعة أجبل . وقيل:سبعة . قال ابن عباس:وأخذ رؤوسهن بيده ، ثم أمره الله عز وجل ، أن يدعوهن ، فدعاهن كما أمره الله عز وجل ، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش ، والدم إلى الدم ، واللحم إلى اللحم ، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض ، حتى قام كل طائر على حدته ، وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها ، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم ، عليه السلام ، فإذا قدم له غير رأسه يأباه ، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله وقوته ; ولهذا قال:( واعلم أن الله عزيز حكيم ) أي:عزيز لا يغلبه شيء ، ولا يمتنع منه شيء ، وما شاء كان بلا ممانع لأنه العظيم القاهر لكل شيء ، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .
قال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن أيوب في قوله:( ولكن ليطمئن قلبي ) قال:قال ابن عباس:ما في القرآن آية أرجى عندي منها .
وقال ابن جرير:حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت زيد بن علي يحدث ، عن رجل ، عن سعيد بن المسيب قال:اتعد عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص أن يجتمعا . قال:ونحن شببة ، فقال أحدهما لصاحبه:أي آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة ؟ فقال عبد الله بن عمرو:قول الله تعالى:( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) الآية [ الزمر:53] . فقال ابن عباس:أما إن كنت تقول:إنها ، وإن أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم:( رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني ابن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر ، أنه قال:التقى عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال ابن عباس لابن عمرو بن العاص:أي آية في القرآن أرجى عندك ؟ فقال عبد الله بن عمرو:قول الله عز وجل:( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا [ من رحمة الله] ) الآية فقال ابن عباس:لكن أنا أقول:قول الله:( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ) فرضي من إبراهيم قوله:( بلى ) قال:فهذا لما يعترض في النفوس ويوسوس به الشيطان .
وهكذا رواه الحاكم في المستدرك ، عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم ، عن إبراهيم بن عبد الله السعدي ، عن بشر بن عمر الزهراني ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، بإسناده ، مثله . ثم قال:صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .