هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته ، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، فقال:( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) قال سعيد بن جبير:في طاعة الله . وقال مكحول:يعني به:الإنفاق في الجهاد ، من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك ، وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس:الجهاد والحج ، يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف ; ولهذا قال الله تعالى:( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة )
وهذا المثل أبلغ في النفوس ، من ذكر عدد السبعمائة ، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل ، لأصحابها ، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة ، وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف ، قال الإمام أحمد:
حدثنا زياد بن الربيع أبو خداش ، حدثنا واصل مولى ابن عيينة ، عن بشار بن أبي سيف الجرمي ، عن عياض بن غطيف قال:دخلنا على أبي عبيدة [ بن الجراح] نعوده من شكوى أصابه وامرأته تحيفة قاعدة عند رأسه قلنا:كيف بات أبو عبيدة ؟ قالت:والله لقد بات بأجر ، قال أبو عبيدة:ما بت بأجر ، وكان مقبلا بوجهه على الحائط ، فأقبل على القوم بوجهه ، وقال:ألا تسألوني عما قلت ؟ قالوا:ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه ، قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة ، ومن أنفق على نفسه وأهله ، أو عاد مريضا أو ماز أذى ، فالحسنة بعشر أمثالها ، والصوم جنة ما لم يخرقها ، ومن ابتلاه الله عز وجل ، ببلاء في جسده فهو له حطة ".
وقد روى النسائي في الصوم بعضه من حديث واصل به ، ومن وجه آخر موقوفا .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، سمعت أبا عمرو الشيباني ، عن ابن مسعود:أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لتأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة ".
ورواه مسلم والنسائي ، من حديث سليمان بن مهران ، عن الأعمش ، به . ولفظ مسلم:جاء رجل بناقة مخطومة ، فقال:يا رسول الله ، هذه في سبيل الله . فقال:"لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة ".
حديث آخر:قال أحمد:حدثنا عمرو بن مجمع أبو المنذر الكندي ، أخبرنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله عز وجل ، جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصوم ، والصوم لي وأنا أجزي به ، وللصائم فرحتان:فرحة عند إفطاره وفرحة يوم القيامة ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ".
حديث آخر:قال [ الإمام] أحمد:حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى ما شاء الله ، يقول الله:إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشهوته من أجلي ، وللصائم فرحتان:فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك . الصوم جنة ، الصوم جنة ". وكذا رواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي سعيد الأشج ، كلاهما عن وكيع ، به .
حديث آخر:قال أحمد:حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن الركين ، عن يسير بن عميلة عن خريم بن فاتك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أنفق نفقة في سبيل الله تضاعف بسبعمائة ضعف ".
حديث آخر:قال أبو داود:حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ، حدثنا ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب وسعيد بن أبي أيوب ، عن زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف ".
حديث آخر:قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا هارون بن عبد الله بن مروان ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن الخليل بن عبد الله ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أرسل بنفقة في سبيل الله ، وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة ، ومن غزا في سبيل الله ، وأنفق في جهة ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم ". ثم تلا هذه الآية:( والله يضاعف لمن يشاء ) وهذا حديث غريب .
وقد تقدم حديث أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة في تضعيف الحسنة إلى ألفي ألف حسنة ، عند قوله:( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) [ البقرة:245] .
حديث آخر:قال ابن مردويه:حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن العسكري البزاز ، أخبرنا الحسن بن علي بن شبيب ، أخبرنا محمود بن خالد الدمشقي ، أخبرنا أبي ، عن عيسى بن المسيب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال:لما نزلت هذه الآية:( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) قال النبي صلى الله عليه وسلم:"رب زد أمتي "قال:فأنزل الله:( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال:"رب زد أمتي "قال:فأنزل الله:( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر:10] .
وقد رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن حاجب بن أركين ، عن أبي عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز المقرئ ، عن أبي إسماعيل المؤدب ، عن عيسى بن المسيب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، فذكره .
وقوله هاهنا:( والله يضاعف لمن يشاء ) أي:بحسب إخلاصه في عمله ( والله واسع عليم ) أي:فضله واسع كثير أكثر من خلقه ، عليم بمن يستحق ومن لا يستحق .