قال الله تعالى:( فكذبوه فأهلكناهم ) أي:فاستمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده ، فأهلكهم الله ، وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية ، أي:ريحا شديدة الهبوب ذات برد شديد جدا ، فكان إهلاكهم من جنسهم ، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره ، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة ، كما قال:( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ) [ ذات العماد] ) [ الفجر:6 ، 7] وهم عاد الأولى ، كما قال:( وأنه أهلك عادا الأولى ) [ النجم:50] ، وهم من نسل إرم بن سام بن نوح . ( ذات العماد ) أي:الذين كانوا يسكنون العمد . ومن زعم أن "إرم "مدينة ، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب ، وليس لذلك أصل أصيل . ولهذا قال:( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) [ الفجر:8] ، أي:لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم ، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال:التي لم يبن مثلها في البلاد ، وقال:( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ) [ فصلت:15] .
وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا بمقدار أنف الثور ، عتت على الخزنة ، فأذن الله لها في ذلك ، وسلكت وحصبت بلادهم ، فحصبت كل شيء لهم ، كما قال تعالى:( تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) الآية [ الأحقاف:25] ، وقال تعالى:( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) [ الحاقة:6 ، 7] ، أي:كاملة ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) [ الحاقة:7] ، أي:بقوا أبدانا بلا رؤوس ; وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخ دماغه ، وتكسر رأسه ، وتلقيه ، كأنهم أعجاز نخل منقعر . وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات ، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم ، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا ، ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) [ نوح:4] ; ولهذا قال:( فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )