يقول تعالى آمرا رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، ببلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس ، ومخبرا له بأنه سيرده إلى معاد ، وهو يوم القيامة ، فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة ; ولهذا قال:( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) أي:افترض عليك أداءه إلى الناس ، ( لرادك إلى معاد ) أي:إلى يوم القيامة فيسألك عن ذلك ، كما قال تعالى:( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) [ الأعراف:6] ، وقال ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم [ قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب] ) [ المائدة:109] [ وقال]:( وجيء بالنبيين والشهداء ) [ الزمر:69] .
وقال السدي عن أبي صالح ، عن ابن عباس:( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) ، يقول:لرادك إلى الجنة ، ثم سائلك عن القرآن . قال السدي:وقال أبو سعيد مثلها .
وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، [ و] عن ابن عباس ، رضي الله عنهما:( لرادك إلى معاد ) قال:إلى يوم القيامة . ورواه مالك ، عن الزهري .
وقال الثوري ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:( لرادك إلى معاد ):إلى الموت .
ولهذا طرق عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، وفي بعضها:لرادك إلى معدنك من الجنة .
وقال مجاهد:يحييك يوم القيامة . وكذا روي عن عكرمة ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي قزعة ، وأبي مالك ، وأبي صالح .
وقال الحسن البصري:أي والله ، إن له لمعادا ، يبعثه الله يوم القيامة ثم يدخله الجنة .
وقد روي عن ابن عباس غير ذلك ، كما قال البخاري في التفسير من صحيحه:
حدثنا محمد بن مقاتل ، أنبأنا يعلى ، حدثنا سفيان العصفري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس:( لرادك إلى معاد ) قال:إلى مكة .
وهكذا رواه النسائي في تفسير سننه ، وابن جرير من حديث يعلى - وهو ابن عبيد الطنافسي - به . وهكذا روى العوفي ، عن ابن عباس:( لرادك إلى معاد ) أي:لرادك إلى مكة كما أخرجك منها .
وقال محمد بن إسحاق ، عن مجاهد في قوله:( لرادك إلى معاد ):إلى مولدك بمكة .
قال ابن أبي حاتم:وقد روي عن ابن عباس ، ويحيى بن الجزار ، وسعيد بن جبير ، وعطية ، والضحاك ، نحو ذلك .
[ وحدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر قال:قال سفيان:فسمعناه من مقاتل منذ سبعين سنة ، عن الضحاك] قال:لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة ، فبلغ الجحفة ، اشتاق إلى مكة ، فأنزل الله عليه:( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) إلى مكة .
وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية ، وإن كان مجموع السورة مكيا ، والله أعلم .
وقد قال عبد الرزاق:حدثنا معمر ، عن قتادة في قوله:( لرادك إلى معاد ) قال:هذه مما كان ابن عباس يكتمها ، وقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن نعيم القارئ أنه قال في قوله:( لرادك إلى معاد ) قال:إلى بيت المقدس .
وهذا - والله أعلم - يرجع إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة ; لأن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر ، والله الموفق للصواب .
ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة ، وهو الفتح الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجله ، صلوات الله وسلامه عليه ، كما فسره ابن عباس بسورة ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا . فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) أنه أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعي إليه ، وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب ، ووافقه عمر على ذلك ، وقال:لا أعلم منها غير الذي تعلم . ولهذا فسر ابن عباس تارة أخرى قوله:( لرادك إلى معاد ) بالموت ، وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت ، وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين:الجن والإنس ، ولأنه أكمل خلق الله ، وأفصح خلق الله ، وأشرف خلق الله على الإطلاق .
وقوله:( قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ) أي:قل - لمن خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين ومن تبعهم على كفرهم - قل:ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني ، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار ، ولمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة .