( أن اعمل سابغات ) وهي:الدروع . قال قتادة:وهو أول من عملها من الخلق ، وإنما كانت قبل ذلك صفائح .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا ابن سماعة ، حدثنا ابن ضمرة ، عن ابن شوذب قال:كان داود ، عليه السلام ، يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم:ألفين له ولأهله ، وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحوارى .
( وقدر في السرد ):هذا إرشاد من الله لنبيه داود ، عليه السلام ، في تعليمه صنعة الدروع .
قال مجاهد في قوله:( وقدر في السرد ):لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة ، ولا تغلظه فيفصمها ، واجعله بقدر .
وقال الحكم بن عتيبة:لا تغلظه فيفصم ، ولا تدقه فيقلق . وهكذا روي عن قتادة ، وغير واحد .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:السرد:حلق الحديد . وقال بعضهم:يقال:درع مسرودة:إذا كانت مسمورة الحلق ، واستشهد بقول الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود ، عليه والسلام ، من طريق إسحاق بن بشر - وفيه كلام - عن أبي إلياس ، عن وهب بن منبه ما مضمونه:أن داود ، عليه السلام ، كان يخرج متنكرا ، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته ، فلا يسأل أحدا إلا أثنى عليه خيرا في عبادته وسيرته ومعدلته ، صلوات الله وسلامه عليه . قال وهب:حتى بعث الله ملكا في صورة رجل ، فلقيه داود فسأله كما كان يسأل غيره ، فقال:هو خير الناس لنفسه ولأمته ، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملا قال:ما هي ؟ قال:يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين ، يعني بيت المال ، فعند ذلك نصب داود ، عليه السلام ، إلى ربه في الدعاء أن يعلمه عملا بيده يستغني به ويغني به عياله ، فألان له الحديد ، وعلمه صنعة الدروع ، فعمل الدرع ، وهو أول من عملها ، فقال الله:( أن اعمل سابغات وقدر في السرد ) يعني:مسامير الحلق ، قال:وكان يعمل الدرع ، فإذا ارتفع من عمله درع باعها ، فتصدق بثلثها ، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله ، وأمسك الثلث يتصدق به يوما بيوم إلى أن يعمل غيرها . وقال:إن الله أعطى داود شيئا لم يعطه غيره من حسن الصوت ، إنه كان إذا قرأ الزبور تسمع الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر ، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته . وكان شديد الاجتهاد ، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير ، وكأن قد أعطي سبعين مزمارا في حلقه .
وقوله:( واعملوا صالحا ) أي:في الذي أعطاكم الله من النعم ، ( إني بما تعملون بصير ) أي:مراقب لكم ، بصير بأعمالكم وأقوالكم ، لا يخفى علي من ذلك شيء .