{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} وهي الدروع الواسعة ،{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي اقتصد فيه واجعله متناسقاً متناسباً في حلقاته .وهكذا هيّأ الله له هذه المهنة المهمّة ،وهي صنع الدروع ،ليستطيع أن يعيش من كدّ يمينه ،ليكون قدوةً للناس ،لا سيّما العاملين في الخط الديني الرسالي الذين تسمح لهم مواقع نشاطهم بالعمل في سبيل العيش ،ليعرفوا أن العمل شرفٌ للعامل ،ورسالةٌ في حياته من خلال علاقته بالهدف الكبير في حركة المسؤولية .
وقد ثار جدل كبير بين المفسرين ،حول ما إذا كانت هذه الإلانة للحديد لداود ،جاريةً على سبيل الإعجاز ،كما هو الظاهر من النسبة المباشرة لله ،ومن اعتبار هذا الأمر كرامةً لداود ،وميزةً له على الآخرين ،أو كانت جاريةً على الوضع الطبيعي ،ليكون الحديث عنه كالحديث عن كل الأفعال الإرادية الاختيارية للناس التي ينسبها الله إلى نفسه ،باعتباره مصدر القدرة الأساس في كل شيءٍ ،ولتكون المسألة ،هي ما يريد الله أن يبيّنه من ممارسة داود لعملية صنع الدروع بشكلٍ متقنٍ ،بحيث تحمي المقاتل من الآخرين ،وتجعل له حرية الحركة في القتال ،للتدليل على الجانب العملي في حياته ؟
ونحن في الوقت الذي لا نمانع فيه أن تكون المسألة على سبيل الإعجاز ،لا ننفي أن يكون الرأي الآخر قريباً من الصحة ،لا سيّما إذا لاحظنا أن المعجزة التي تمثل الطريقة الخارقة للعادة ،لا تأتي إلا كأسلوبٍ من أساليب التحدي ،أو مواجهة التحدي ؛ولكن هذا الجدل لا يمثل حاجةً عقيديةً وعمليّةً على كل حال ،إذ يكفي في مسألة الإيمان الاعتقاد بإمكان المعجزة ،وبالتصديق بها في حالة ثبوتها ،لا بالإيمان بأيّة وجهة نظر اجتهادية في تعيين المعجزة .
{وَاعْمَلُواْ صَالِحاً} كأسلوبٍ من أساليب شكر النعمة ،بما يمثله العمل الصالح من الانفتاح على الله ،والانسجام مع خط رضاه ،ليكون ذلك بمثابة اعترافٍ واقعيٍّ بالجميل ،والخطاب لداود ولقومه ،أو لأهله ،على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب{إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فلا يفوتني شيء منها في ما خفي أو ظهر .