إنما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه ذلك ، ليقيم في البلد إذا ذهبوا إلى عيدهم ، فإنه كان قد أزف خروجهم إلى عيد لهم ، فأحب أن يختلي بآلهتهم ليكسرها ، فقال لهم كلاما هو حق في نفس الأمر ، فهموا منه أنه سقيم على مقتضى ما يعتقدونه ، ( فتولوا عنه مدبرين ) قال قتادة:والعرب تقول لمن تفكر:نظر في النجوم:يعني قتادة:أنه نظر في السماء متفكرا فيما يلهيهم به ، فقال:( إني سقيم ) أي:ضعيف .
فأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا:حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو أسامة ، حدثني هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لم يكذب إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام ، غير ثلاث كذبات:ثنتين في ذات الله ، قوله:( إني سقيم ) ، وقوله ( بل فعله كبيرهم هذا ) [ الأنبياء:62] ، وقوله في سارة:هي أختي "فهو حديث مخرج في الصحاح والسنن من طرق ، ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله ، حاشا وكلا وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزا ، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني ، كما جاء في الحديث:"إن [ في] المعاريض لمندوحة عن الكذب "
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال:"ما منها كلمة إلا ماحل بها عن دين الله تعالى ، فقال:( إني سقيم ) ، وقال ( بل فعله كبيرهم ) ، وقال للملك حين أراد المرأة:هي أختي ".
قال سفيان في قوله:( إني سقيم ) يعني:طعين . وكانوا يفرون من المطعون ، فأراد أن يخلو بآلهتهم . وكذا قال العوفي عن ابن عباس:( فنظر نظرة في النجوم . فقال إني سقيم ) ، فقالوا له وهو في بيت آلهتهم:اخرج . فقال:إني مطعون ، فتركوه مخافة الطاعون .
وقال قتادة عن سعيد بن المسيب:رأى نجما طلع فقال:( إني سقيم ) كابد نبي الله عن دينه ( فقال إني سقيم ) .
وقال آخرون:فقال:( إني سقيم ) بالنسبة إلى ما يستقبل ، يعني:مرض الموت .
وقيل:أراد ( إني سقيم ) أي:مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله - عز وجل - .
وقال الحسن البصري:خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم ، فأرادوه على الخروج ، فاضطجع على ظهره وقال:( إني سقيم ) ، وجعل ينظر في السماء فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها . رواه ابن أبي حاتم .