وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين:( [ أن] امشوا ) أي:استمروا على دينكم ( واصبروا على آلهتكم ) ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد .
وقوله:( إن هذا لشيء يراد ) قال ابن جرير:إن هذا الذي يدعونا إليه محمد - صلى الله عليه وسلم - من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء ، وأن يكون له منكم أتباع ولسنا مجيبيه إليه .
ذكر سبب نزول هذه الآيات:
قال السدي:إن أناسا من قريش اجتمعوا فيهم:أبو جهل بن هشام والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش ، فقال بعضهم لبعض:انطلقوا بنا إلى أبي طالب فلنكلمه فيه ، فلينصفنا منه فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبده ; فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا إليه شيء ، فتعيرنا [ به] العرب يقولون:تركوه حتى إذا مات عنه تناولوه ". فبعثوا رجلا منهم يقال له المطلب "فاستأذن لهم على أبي طالب فقال:هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم يستأذنون عليك . قال:أدخلهم . فلما دخلوا عليه قالوا:يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه . قال:فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك . قال:"يا عم أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم ؟ "قال:وإلام تدعوهم ؟ قال:"أدعوهم [ إلى] أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم ". فقال أبو جهل من بين القوم:ما هي وأبيك ؟ لنعطينها وعشرة أمثالها ، قال:تقولون:"لا إله إلا الله ". فنفر وقال:سلنا غير هذا ، قال:"لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها "فقاموا من عنده غضابا ، وقالوا:والله لنشتمنك وإلهك الذي أمرك بهذا . ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد )
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وزاد:فلما خرجوا دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه إلى قول:"لا إله إلا الله "فأبى وقال:بل على دين الأشياخ . ونزلت:( إنك لا تهدي من أحببت ) [ القصص:56]
وقال أبو جعفر بن جرير:حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا:حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا:إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته ؟ فبعث إليه فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال:فخشي أبو جهل إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه . فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا قرب عمه فجلس عند الباب . فقال له أبو طالب:أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ، يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ؟ قال:وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة ! يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية "ففزعوا لكلمته ولقوله وقالوا كلمة واحدة ! نعم وأبيك عشرا فقالوا:وما هي ؟ وقال أبو طالب وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ فقال:"لا إله إلا الله "فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون:( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) قال:ونزلت من هذا الموضع إلى قوله:( لما يذوقوا عذاب ) لفظ أبي كريب
وهكذا رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث محمد بن عبد الله بن نمير ، كلاهما عن أبي أسامة عن الأعمش عن عباد - غير منسوب - به نحوه . ورواه الترمذي ، والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير أيضا كلهم في تفاسيرهم من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن يحيى بن عمارة الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر نحوه . وقال الترمذي:حسن .