يقول تعالى مخبرا عن هول يوم القيامة ، وما يكون فيه من الآيات العظيمة والزلازل الهائلة ، فقوله:( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) ، هذه النفخة هي الثانية ، وهي نفخة الصعق ، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض ، إلا من شاء الله كما هو مصرح به مفسرا في حديث الصور المشهور . ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت ، وينفرد الحي القيوم الذي كان أولا وهو الباقي آخرا بالديمومة والبقاء ، ويقول:( لمن الملك اليوم ) [ غافر:16] ثلاث مرات . ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول:( لله الواحد القهار ) أي:الذي هو واحد وقد قهر كل شيء ، وحكم بالفناء على كل شيء . ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل ، ويأمره أن ينفخ في الصور أخرى ، وهي النفخة الثالثة نفخة البعث ، قال تعالى:( ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) أي:أحياء بعد ما كانوا عظاما ورفاتا ، صاروا أحياء ينظرون إلى أهوال يوم القيامة ، كما قال تعالى:( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) [ النازعات:14 ، 13] ، وقال تعالى:( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) [ الإسراء:52] ، وقال تعالى:( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) [ الروم:25] .
قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم قال:سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال:سمعت رجلا قال لعبد الله بن عمرو:إنك تقول:الساعة تقوم إلى كذا وكذا ؟ قال:لقد هممت ألا أحدثكم شيئا ، إنما قلت:سترون بعد قليل أمرا عظيما . ثم قال عبد الله بن عمرو:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"يخرج الدجال في أمتي ، فيمكث فيهم أربعين - لا أدري أربعين يوما أو أربعين عاما أو أربعين شهرا أو أربعين ليلة - فيبعث الله عيسى ابن مريم ، كأنه عروة بن مسعود الثقفي ، فيظهر فيهلكه الله . ثم يلبث الناس بعده سنين سبعا ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدهم كان في كبد جبل لدخلت عليه ". قال:سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ويبقى شرار الناس في خفة الطير ، وأحلام السباع ، لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا ". قال:"فيتمثل لهم الشيطان فيقول:ألا تستجيبون ؟ فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها ، وهم في ذلك دارة أرزاقهم ، حسن عيشهم . ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى له ، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه ، فيصعق ، ثم لا يبقى أحد إلا صعق . ثم يرسل الله - أو:ينزل الله مطرا كأنه الطل - أو الظل شك نعمان - فتنبت منه أجساد الناس . ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، ثم يقال:يا أيها الناس ، هلموا إلى ربكم:( وقفوهم إنهم مسئولون ) [ الصافات:24] ، قال:"ثم يقال:أخرجوا بعث النار ". قال:"فيقال:كم ؟ فيقال:من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فيومئذ تبعث الولدان شيبا ، ويومئذ يكشف عن ساق ".
انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه .
وقال البخاري:حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال:سمعت أبا صالح قال:سمعت أبا هريرة [ رضي الله عنه] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"بين النفختين أربعون ". قالوا:يا أبا هريرة ، أربعون يوما ؟ قال:أبيت ، قالوا:أربعون سنة ؟ قال:أبيت ، قالوا:أربعون شهرا ؟ قال:أبيت ، ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه فيه يركب الخلق .
وقال أبو يعلى:حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمر بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه] ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"سألت جبريل ، - عليه السلام - عن هذه الآية:( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال:هم الشهداء ، مقلدون أسيافهم حول عرشه ، تتلقاهم ملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت نمارها ألين من الحرير ، مد خطاها مد أبصار الرجال ، يسيرون في الجنة يقولون عند طول النزهة:انطلقوا بنا إلى ربنا - عز وجل - لننظر كيف يقضي بين خلقه ، يضحك إليهم إلهي ، وإذا ضحك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه ". رجاله كلهم ثقات إلا شيخ إسماعيل بن عياش ، فإنه غير معروف والله أعلم .