قال البخاري:حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال:لما نزلت:( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها ، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله [ عز وجل] ( غير أولي الضرر )
حدثنا محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال:لما نزلت:( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ادع فلانا "فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف فقال:"اكتب:لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ، فقال:يا رسول الله ، أنا ضرير فنزلت مكانها:( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله )
وقال البخاري أيضا:حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، حدثني سهل بن سعد الساعدي:أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد ، قال:فأقبلت حتى جلست إلى جنبه ، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى علي:"لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ". فجاءه ابن أم مكتوم ، وهو يمليها علي ، قال:يا رسول الله ، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان أعمى - فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفخذه على فخذي ، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ، ثم سري عنه ، فأنزل الله:( غير أولي الضرر )
انفرد به البخاري دون مسلم ، وقد روي من وجه آخر عن زيد فقال الإمام أحمد:
حدثنا سليمان بن داود ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد قال:قال زيد بن ثابت:إني قاعد إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أوحي إليه ، قال:وغشيته السكينة ، قال:فوقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة . قال زيد:فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سري عنه فقال:"اكتب يا زيد ". فأخذت كتفا فقال:"اكتب:( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون ) إلى قوله ( أجرا عظيما ) فكتبت ذاك في كتف ، فقام حين سمعها ابن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - فقام حين سمع فضيلة المجاهدين فقال:يا رسول الله ، وكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى ، وأشباه ذلك ؟ قال زيد:فوالله ما مضى كلامه - أو ما هو إلا أن قضى كلامه - حتى غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة ، فوقعت فخذه على فخذي ، فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى ، ثم سري عنه فقال:"اقرأ ". فقرأت عليه:"لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون "فقال النبي صلى الله عليه وسلم:( غير أولي الضرر ) قال زيد:فألحقتها ، فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف .
ورواه أبو داود ، عن سعيد بن منصور ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، به نحوه .
وقال عبد الرزاق:أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن زيد بن ثابت ، قال:كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "فجاء عبد الله ابن أم مكتوم فقال:يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما قد ترى ، قد ذهب بصري . قال زيد:فثقلت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه ، ثم قال:"اكتب:( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله )
ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال عبد الرزاق:أخبرني ابن جريج ، أخبرني عبد الكريم - هو ابن مالك الجزري - أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث - أخبره أن ابن عباس أخبره:لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر ، والخارجون إلى بدر .
انفرد به البخاري دون مسلم . وقد رواه الترمذي من طريق حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الكريم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال:لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضر عن بدر ، والخارجون إلى بدر ، لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم:إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة ؟ فنزلت:( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ) وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة ، فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر .
هذا لفظ الترمذي ، ثم قال:هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .
فقوله [ تعالى] ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) كان مطلقا ، فلما نزل بوحي سريع:( غير أولي الضرر ) صار ذلك مخرجا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد - من العمى والعرج والمرض - عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم .
ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين ، قال ابن عباس:( غير أولي الضرر ) وكذا ينبغي أن يكون لما ثبت في الصحيح عند البخاري من طريق زهير بن معاوية ، عن حميد ، عن أنس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه "قالوا:وهم بالمدينة يا رسول الله ؟ قال:"نعم حبسهم العذر ".
وهكذا رواه الإمام أحمد عن محمد بن أبي عدي عن حميد ، عن أنس ، به وعلقه البخاري مجزوما . ورواه أبو داود عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن موسى بن أنس بن مالك ، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ، ولا أنفقتم من نفقة ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه ". قالوا:يا رسول الله ، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ قال:"حبسهم العذر ".
لفظ أبي داود وفي هذا المعنى قال الشاعر:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا إنا أقمنا على عذر وعن قدر
ومن أقام على عذر فقد راحا
وقوله:( وكلا وعد الله الحسنى ) أي:الجنة والجزاء الجزيل . وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين بل هو فرض على الكفاية .
ثم قال تعالى:( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) ثم أخبر تعالى بما فضلهم به من الدرجات ، في غرف الجنان العاليات ، ومغفرة الذنوب والزلات ، وحلول الرحمة والبركات ، إحسانا منه وتكريما ; ولهذا قال تعالى: