/م95
قال تعالى:{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين} أي عن الجهاد في سبيل الله لتأييد حرية الدين ، وصد غارات المشركين ، وتطهير الأرض من الفساد ، وإقامة دعائم الحق والإصلاح{ غير أولي الضرر} العاجزين عن هذا الجهاد كالأعمى والمقعد والزمِن والمريض{ والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} أي لا يكون القاعدون عن الجهاد بأموالهم بخلا بها وحرصا عليها ، وبأنفسهم إيثارا للراحة والنعيم على التعب وركوب الصعاب في القتال ، مساوين للمجاهدين الذين يبذلون أموالهم في الاستعداد للجهاد بالسلاح والخيل والمؤنة ، ويبذلون أنفسهم بتعريضها للقتل في سبيل الحق ، لأجل منع القتل في سبيل الطاغوت ، لأن المجاهدين هم الذين يحمون أمتهم وبلادهم ، والقاعدين الذين لا يأخذون حذرهم ، ولا يعدون للدفاع عدتهم ، يكونون عرضة لفتك غيرهم بهم ،{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} [ البقرة:250] بغلبة أهل الطاغوت عليها ، وظلمهم لأهلها ، وإهلاكهم للحرث والنسل فيها .
{ فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} هذا بيان لمفهوم عدم استواء المجاهدين والقاعدين غير أولي الضرر ، وهو أن الله تعالى رفع المجاهدين عليهم درجة وهي درجة العمل الذي يترتب عليه دفع شر الأعداء عن الملة والأمة والبلاد{ وكلا وعد الله الحسنى} أي ووعد الله المثوبة الحسنى كلا من الفريقين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد عجزا منهم عنه وهم يتمنون لو قدروا عليه فقاموا به ، فإن إيمان كل منهما واحد وإخلاصه واحد .قدم مفعول"وعد "الأول وهو لفظ"كلا "لإفادة حصر هذا الوعد الكريم في هذين الفريقين المتساويين في الإيمان والإخلاص ، المتفاضلين في العمل ، لقدرة أحدهما وعجز الآخر .وفسر قتادة الحسنى بالجنة .
{ وفضل الله المجاهدين} بأموالهم وأنفسهم{ على القاعدين} من غير أولي الضرر كما قال ابن جريج{ أجرا عظيما} وهو ما يبينه قوله تعالى:{ درجات منه ومغفرة ورحمة} .
ومن مباحث اللفظ في الآية أن نافعا وابن عامر قرءا{ غير أولي الضرر} بنصب"غير "على الحال أو الاستثناء وقرأها الباقون بالرفع وهي حينئذ صفة للقاعدون .وقرئت بالجر شذوذا على أنها صفة للمؤمنين أو بدل منهم .وقوله:{ أجرا عظيما} نصب "أجر "على المصدر لأنه بمعنى أجرهم أجرا عظيما ، أو على الحال "ودرجات "بدل منه .
وقد تركت ما ذكروه في تفسير الآية من حديث زيد بن ثابت في كون قوله:{ غير أولي الضرر} نزل لأجل ابن أم مكتوم لأن هذا من المشكلات الجديرة بالرد مهما قووا سندها ، ولعلنا نفصل القول فيها في مقدمة التفسير .