/م95
{ درجات منه ومغفرة ورحمة} أما الدرجات فقد بينا في غير هذا الموضع ما تدل عليه الآيات المتعددة فيها من تفاوت درجات الناس في الدنيا والآخرة ومنها قوله تعالى:{ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} [ الإسراء:21] وبينا أن درجات الآخرة مبنية على درجات الدنيا في الإيمان والفضيلة والعمل النافع ، لا في الرزق وعرض الدنيا .وقد حمل بعض المفسرين الدرجات هنا على ما يكون للمجاهد في الدنيا من الفضائل والأعمال فقال قتادة:كان يقال:الإسلام درجة ، والإسلام في الهجرة درجة ، والجهاد في الهجرة درجة ، والقتال في الجهاد درجة اه .
وجعل بعضهم الجهاد هنا عدة درجات بحسب ما فيه من الأعمال الشاقة فقال ابن زيد:الدرجات هي السبع التي ذكرها الله تعالى في سورة براءة ( التوبة ){ ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه .ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ، ولا نصب ، ولا مخمصة في سبيل الله ، ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ، ولا ينالون من عدو نيلا ، إلا كتب لهم به عمل صالح ، إن الله لا يضيع أجر المحسنين} [ التوبة:121] يعني أن هذه الأمور السبعة التي يتعرض لها المجاهدون هي الدرجات لأن لكل منها أجرا كما قال تعالى ومجموعها مع المغفرة والرحمة هو الأجر العظيم ، والصواب أن المراد هنا درجات الآخرة لأنها تفسير للأجر كما قال ابن جرير ، وهي مرتبة على ما ذكر وعلى غيره مما يفضل المجاهدون به القاعدون ، وأهمه مصدره من النفس وهو قوة الإيمان بالله وإيثار رضاه على الراحة والنعيم ، وترجيح المصلحة العامة على الشهوات الخاصة .والمغفرة المقرونة بهذه الدرجات هي أن يكون لذنوبهم في نفوسهم عند الحساب أثر من الآثار التي قضى عدل الله بأن تكون سبب العقاب لأن ذلك الأثر يتلاشى في تلك الأعمال التي استحقوا بها الدرجات كما يتلاشى الوسخ القليل في الماء الكثير .والرحمة ما يخصهم به الرحمن زيادة على ذلك من فضله وإحسانه .
قال البيضاوي:وقيل الأول ما خولهم الله في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر والثاني ما حصل لهم في الآخرة .وقيل الدرجة ارتفاع منزلتهم عند الله .والدرجات منازلهم في الجنة .وقيل القاعدون الأول الأضراء ، والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم .وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار ، والآخرون من جاهد نفسه ، وعليه قول علي عليه السلام:رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر اه .
{ وكان الله غفورا رحيما} وكان شأن الله وصفته أنه غفور لمن يستحق المغفرة ، رحيم بمن يتعرض لنفحات الرحمة ، فهو ما فضلهم بذلك إلا بما اقتضته صفاته ، وما هو شأنه في نفسه ، فإذا لا بد من ذلك الأجر العظيم بأنواعه لا مرد له .