يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة:هل امتلأت ؟ وذلك أنه وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين ، فهو سبحانه يأمر بمن يأمر به إليها ، ويلقى وهي تقول:( هل من مزيد ) أي:هل بقي شيء تزيدوني ؟ هذا هو الظاهر من سياق الآية ، وعليه تدل الأحاديث:
قال البخاري عند تفسير هذه الآية:حدثنا عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"يلقى في النار ، وتقول:هل من مزيد ، حتى يضع قدمه فيها ، فتقول قط قط ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول:هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول:قط قط ، وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول الجنة ".
ثم رواه مسلم من حديث قتادة ، بنحوه . ورواه أبان العطار وسليمان التيمي ، عن قتادة ، بنحوه .
حديث آخر:قال البخاري:حدثنا محمد بن موسى القطان ، حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي ، حدثنا عوف ، عن محمد عن أبي هريرة - رفعه ، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان -:"يقال لجهنم:هل امتلأت ، وتقول:هل من مزيد ، فيضع الرب عز وجل قدمه عليها ، فتقول:قط قط ".
رواه أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، به .
طريق أخرى:قال البخاري:وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال:قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار:أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . وقالت الجنة:ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم . قال الله عز وجل للجنة:أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي . وقال للنار:إنما أنت عذابي ، أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله ، فتقول:قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا آخر ".
حديث آخر:قال مسلم في صحيحه:حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"احتجت الجنة والنار ، فقالت النار:في الجبارون والمتكبرون . وقالت الجنة:في ضعفاء الناس ومساكينهم . فقضى بينهما ، فقال للجنة:إنما أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء من عبادي . وقال للنار:إنما أنت عذابي ، أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها "انفرد به مسلم دون البخاري من هذا الوجه . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أبي سعيد بأبسط من هذا السياق فقال:
حدثنا حسن وروح قالا:حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي سعيد الخدري ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"افتخرت الجنة والنار ، فقالت النار:يا رب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف . وقالت الجنة:أي رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين . فيقول الله عز وجل ، للنار:أنت عذابي أصيب بك من أشاء . وقال للجنة:أنت رحمتي وسعت كل شيء ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فيلقى في النار أهلها فتقول:هل من مزيد ؟ قال:ويلقى فيها وتقول:هل من مزيد ؟ ويلقى فيها وتقول:هل من مزيد ؟ حتى يأتيها عز وجل ، فيضع قدمه عليها ، فتزوى وتقول:قدني ، قدني . وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء الله أن يبقى ، فينشئ الله لها خلقا ما يشاء ".
حديث آخر:وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده:حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يعرفني الله عز وجل ، نفسه يوم القيامة ، فأسجد سجدة يرضى بها عني ، ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني ، ثم يؤذن لي في الكلام ، ثم تمر أمتي على الصراط - مضروب بين ظهراني جهنم - فيمرون أسرع من الطرف والسهم ، وأسرع من أجود الخيل ، حتى يخرج الرجل منها يحبو ، وهي الأعمال . وجهنم تسأل المزيد ، حتى يضع فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول:قط قط ! وأنا على الحوض ". قيل:وما الحوض يا رسول الله ؟ قال:"والذي نفسي بيده ، إن شرابه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك . وآنيته أكثر من عدد النجوم ، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ، ولا يصرف فيروى أبدا ". وهذا القول هو اختيار ابن جرير .
وقد قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو يحيى الحماني عن نضر الخزاز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، ( يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) قال:ما امتلأت ، قال:تقول:وهل في من مكان يزاد في .
وكذا روى الحكم بن أبان عن عكرمة:( وتقول هل من مزيد ):وهل في مدخل واحد ، قد امتلأت .
[ و] قال الوليد بن مسلم ، عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهدا يقول:لا يزال يقذف فيها حتى تقول:قد امتلأت فتقول:هل [ في] من مزيد ؟ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا .
فعند هؤلاء أن قوله تعالى:( هل امتلأت ) ، إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه ، فتنزوي وتقول حينئذ:هل بقي في [ من] مزيد ؟ يسع شيئا .
قال العوفي ، عن ابن عباس:وذلك حين لا يبقى فيها موضع [ يسع] إبرة . فالله أعلم .