وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث إشارة إلى جانب قصير ومثير من مشاهد يوم القيامة إذ تقول الآية: ( يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ){[4663]} .
والمراد من ( هل من مزيد ) ما هو ؟هناك تفسيران:
الأوّل: أنّه استفهام إنكاري ،أي أنّ جهنّم تقول لا مجال للزيادة ،وبهذا فينسجم هذا المعنى مع الآية 13 من سورة السجدة: ( لأملأنّ جهنّم من الجنّة والناس أجمعين ) وهو تأكيد على أنّ تهديد الله يتحقّق في ذلك اليوم تماماً وأنّ جهنّم تمتلئ في يوم القيامة من الكفّار والمجرمين .
والثّاني: إنّ هذه الجملة فيها طلب للزيادة !أي هل يوجد غير هؤلاء ليدخلوا النار ،وأساساً فإنّ طبيعة كلّ شيء أن يبحث عن سنخه دائماً ،فلا النار تشبع من الكفّار ولا الجنّة تشبع من المؤمنين الصالحين .
إلاّ أنّ هذا السؤال سيبقى بلا جواب ،وهو أنّ مفهوم هذا الطلب أنّ جهنّم ما تزال غير ممتلئة ،فلا تنسجم مع الآية 13 من سورة السجدة آنفة الذكر التي تقول: ( لأملأنّ جهنّم من الجنّة والناس أجمعين ) .
ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ طلب المزيد لا يدلّ على عدم الامتلاء لأنّه:
أوّلا: قد يكون إناء مليء بالطعام مثلا ،إلاّ أنّ شخصاً ما يزال يتمنّى أن لو اُضيف إليه فيكون متراكماً أكثر !
ثانياً: هذا الطلب يمكن أن يكون طلباً لتضييق المكان على أهل جهنّم وعقابهم الأليم أو تمنّي السعة لاستيعاب أنفار آخرين أكثر .
وعلى كلّ حال ،فإنّ هذه الآية تدلّ دلالة واضحة أنّ أهل جهنّم كثيرون ،وأنّ صورة جهنّم مرعبة وموحشة وأنّ تهديد الله جدّي وحقّ يربك الفكر في كلّ إنسان فيهزّه ويحذّره ألاّ يكون واحداً من أهلها !وهذا التفكير يمكن أن يصيّره ورعاً ملتزماً فلا يقدم على الذنوب الكبيرة والصغيرة !.
وينقدح سؤال آخر ،وهو كيف تخاطب النار وهي موجود غير عاقل فتردّ وتجيب على الخطاب !
ولهذا السؤال توجد إجابات ثلاث:
الاُولى: إنّ هذا التعبير نوع من التشبيه وبيان لسان الحال !أي أنّ الله يسأل بلسان التكوين جهنّم وهي تجيب بلسان الحال ،ونظير هذا التعبير كثير في اللغات المختلفة !
الثّانية: إنّ الدار الآخرة دار حياة واقعية ،فحتّى الموجودات المادية كالجنّة والنار يكون لها نوع من الإدراك والحياة والشعور ،فالجنّة تشتاق إلى المؤمنين ،وجهنّم تنتظر المجرمين .
وكما أنّ أعضاء جسم الإنسان تنطق في ذلك اليوم وتشهد على الإنسان ،فلا عجب أن تكون الجنّة والنار كذلك !
بل وحسب اعتقاد بعض المفسّرين إنّ ذرّات هذا العالم جميعها لها إدراك وإحساس خاصّ ،ولذلك فهي تسبّح الله وتحمده ،وقد أشارت إليه بعض آيات القرآن كالآية ( 44 ) من سورة الإسراء{[4664]} .
والثّالثة: إنّ المخاطبين هم خزنة النار وهم الذين يردون على هذا السؤال .
وجميع هذه التفاسير يمكن قبولها ،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب كما يبدو !