وقوله:( وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون ) أي:ويطوفون عليهم بما يتخيرون من الثمار .
وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها ، ويدل على ذلك حديث "عكراش بن ذؤيب "الذي رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ، رحمه الله ، في مسنده:حدثنا العباس بن الوليد النرسي ، حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية ، حدثنا عبيد الله بن عكراش ، عن أبيه عكراش بن ذؤيب ، قال:بعثني بنو مرة في صدقات أموالهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدمت المدينة فإذا هو جالس بين المهاجرين والأنصار ، وقدمت عليه بإبل كأنها عروق الأرطى ، قال:"من الرجل ؟ "قلت:عكراش بن ذؤيب . قال:"ارفع في النسب "، فانتسبت له إلى "مرة بن عبيد "، وهذه صدقة "مرة بن عبيد ". فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال:هذه إبل قومي ، هذه صدقات قومي . ثم أمر بها أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها . ثم أخذ بيدي فانطلقنا إلى منزل أم سلمة ، فقال:"هل من طعام ؟ "فأتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر ، فجعل يأكل منها ، فأقبلت أخبط بيدي في جوانبها ، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليسرى على يدي اليمنى ، فقال:"يا عكراش ، كل من موضع واحد ، فإنه طعام واحد ". ثم أتينا بطبق فيه تمر ، أو رطب - شك عبيد الله رطبا كان أو تمرا - فجعلت آكل من بين يدي ، وجالت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطبق ، وقال:"يا عكراش ، كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد ". ثم أتينا بماء ، فغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه ثلاثا ، ثم قال:"يا عكراش ، هذا الوضوء مما غيرت النار ".
وهكذا رواه الترمذي مطولا وابن ماجه جميعا ، عن محمد بن بشار ، عن أبي الهذيل العلاء بن الفضل ، به . وقال الترمذي:غريب لا نعرفه إلا من حديثه .
وقال الإمام أحمد:حدثنا بهز بن أسد وعفان - وقال الحافظ أبو يعلى:حدثنا شيبان - قالوا:حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا ثابت ، قال:قال أنس:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجبه الرؤيا ، فربما رأى الرجل الرؤيا فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه ، فإذا أثني عليه معروفا ، كان أعجب لرؤياه إليه . فأتته امرأة فقالت:يا رسول الله ، رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة ، فأدخلت الجنة فسمعت وجبة انتحبت لها الجنة ، فنظرت فإذا فلان بن فلان ، وفلان بن فلان ، فسمت اثني عشر رجلا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعث سرية قبل ذلك ، فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم ، فقيل:اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ - أو:البيذخ - قال:فغمسوا فيه ، فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر ، فأتوا بصحفة من ذهب فيها بسر ، فأكلوا من بسره ما شاءوا ، فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا ، وأكلت معهم . فجاء البشير من تلك السرية ، فقال:كان من أمرنا كذا وكذا ، وأصيب فلان وفلان . حتى عد اثني عشر رجلا فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة فقال:"قصي رؤياك "فقصتها ، وجعلت تقول:فجيء بفلان وفلان كما قال .
هذا لفظ أبي يعلى ، قال الحافظ الضياء:وهذا على شرط مسلم .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا ريحان بن سعيد ، عن عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن الرجل إذا نزع ثمرة في الجنة ، عادت مكانها أخرى ".
وقوله:( ولحم طير مما يشتهون ) ، قال الإمام أحمد:
حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، حدثنا ثابت ، عن أنس ، قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن طير الجنة كأمثال البخت ، يرعى في شجر الجنة ". فقال أبو بكر:يا رسول الله ، إن هذه لطير ناعمة فقال:"أكلتها أنعم منها - قالها ثلاثا - وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها ". تفرد به أحمد من هذا الوجه .
وروى الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه "صفة الجنة "من حديث إسماعيل بن علي الخطبي ، عن أحمد بن علي الخيوطي ، عن عبد الجبار بن عاصم ، عن عبد الله بن زياد ، عن زرعة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال:ذكرت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - طوبى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"يا أبا بكر ، هل بلغك ما طوبى ؟ "قال:الله ورسوله أعلم . قال:"طوبى شجرة في الجنة ، ما يعلم طولها إلا الله ، يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا ، ورقها الحلل ، يقع عليها الطير كأمثال البخت ". فقال أبو بكر:يا رسول الله ، إن هناك لطيرا ناعما ؟ قال:"أنعم منه من يأكله ، وأنت منهم إن شاء الله ".
وقال قتادة في قوله:( ولحم طير مما يشتهون ):ذكر لنا أن أبا بكر قال:يا رسول الله ، إني أرى طيرها ناعمة كما أهلها ناعمون . قال:"من يأكلها - والله يا أبا بكر - أنعم منها ، وإنها لأمثال البخت ، وإني لأحتسب على الله أن تأكل منها يا أبا بكر ".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا:حدثني مجاهد بن موسى ، حدثنا معن بن عيسى ، حدثني ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الكوثر فقال:"نهر أعطانيه ربي عز وجل ، في الجنة أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها يعني كأعناق الجزر ". فقال عمر:إنها لناعمة . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"آكلها أنعم منها ".
وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن القعنبي ، عن محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس ، وقال:حسن .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا أبو معاوية ، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن في الجنة لطيرا فيه سبعون ألف ريشة ، فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة فينتفض ، فيخرج من كل ريشة - يعني لونا - أبيض من اللبن ، وألين من الزبد ، وأعذب من الشهد ، ليس منها لون يشبه صاحبه ثم يطير ".
هذا حديث غريب جدا ، والوصافي وشيخه ضعيفان . ثم قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح - كاتب الليث - حدثني الليث ، حدثنا خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أبي حازم عن عطاء ، عن كعب ، قال:إن طائر الجنة أمثال البخت ، يأكل مما خلق من ثمرات الجنة ، ويشرب من أنهار الجنة ، فيصطففن له ، فإذا اشتهى منها شيئا أتاه حتى يقع بين يديه ، فيأكل من خارجه وداخله ثم يطير لم ينقص منه شيء .صحيح إلى كعب .
وقال الحسن بن عرفة:حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود ، قال:قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا ".